أمازون تلغي 30 ألف وظيفة: تسريح غير مسبوق في تاريخ الشركة
في تطور هزّ قطاع التكنولوجيا العالمي وأثار تساؤلات حول مستقبل عمالقة الصناعة، أعلنت شركة أمازون، عملاق التجارة الإلكترونية والخدمات السحابية، عن خطط لتسريح ما يقارب 30 ألف موظف. يُعد هذا القرار خطوة غير مسبوقة في تاريخ الشركة الذي امتد لعقود، ويمثل أكبر عملية خفض للقوى العاملة تشهدها أمازون على الإطلاق، متجاوزًا بأشواط أي تخفيضات سابقة في أعداد الموظفين.

جاء هذا الإعلان في سياق اقتصادي عالمي مضطرب، يشهد ارتفاعًا في معدلات التضخم، وارتفاعًا في أسعار الفائدة، ومخاوف متزايدة من الركود، مما دفع العديد من الشركات الكبرى، لا سيما في قطاع التكنولوجيا، إلى إعادة تقييم استراتيجياتها التشغيلية والمالية. ويُلقي هذا التسريح الضخم الضوء على التحولات الجارية في بيئة الأعمال ما بعد الجائحة.
الخلفية الاقتصادية ونمو أمازون
خلال جائحة كوفيد-19، شهدت أمازون نموًا هائلاً وغير مسبوق، مدفوعة بالزيادة الكبيرة في الطلب على التسوق عبر الإنترنت والخدمات اللوجستية، بالإضافة إلى التوسع المستمر في خدماتها السحابية الرائدة، أمازون ويب سرفيسز (AWS). استجابة لهذا الطلب المتزايد، قامت الشركة بعمليات توظيف مكثفة عبر أقسامها المختلفة، بما في ذلك الموظفون في المستودعات، وموظفو التكنولوجيا والشركات، والمطورون.
توقع الكثيرون أن يستمر هذا الزخم، لكن مع عودة الحياة إلى طبيعتها تدريجياً وتغير أنماط إنفاق المستهلكين، بدأ الطلب على التجارة الإلكترونية بالتباطؤ. هذا التباطؤ، بالإضافة إلى التحديات الاقتصادية الكلية مثل ارتفاع تكاليف التشغيل وتراجع الإنفاق التقديري للمستهلكين والشركات، وضع أمازون أمام حتمية إعادة هيكلة جذريّة. لقد تحولت الشركة من استراتيجية "النمو بأي ثمن" إلى التركيز على الكفاءة التشغيلية والربحية.
الأقسام المتأثرة ومبررات الشركة
تشير التقارير إلى أن عمليات التسريح ستطال مجموعة واسعة من الأقسام داخل الشركة، بما في ذلك فرق التكنولوجيا، وموارد الشركات (مثل الموارد البشرية والتوظيف)، وقسم الأجهزة (مثل أجهزة Echo و Kindle)، بالإضافة إلى وحدات أخرى كانت تُجرّب مشاريع جديدة. هذا الانتشار الواسع للتخفيضات يؤكد أن القرار نابع من رؤية شاملة لإعادة تنظيم الشركة وليس مقتصرًا على قسم واحد.
في رسالة داخلية للموظفين، أشار الرئيس التنفيذي آندي جاسي، إلى أن هذه القرارات كانت "صعبة للغاية ولكنها ضرورية"، مؤكدًا التزام الشركة بدعم الموظفين المتأثرين من خلال حزم إنهاء الخدمة التي تتضمن مكافآت مالية، وتأمين صحي، وخدمات دعم للعثور على وظائف جديدة. وأوضح جاسي أن الهدف من هذه الخطوة هو "تبسيط الهيكل التنظيمي" و"مواءمة الاستثمارات" مع احتياجات العملاء والآفاق الاقتصادية المستقبلية، مع التركيز على المجالات التي تمتلك فيها الشركة أكبر فرص للنمو والابتكار.
التداعيات الأوسع والانعكاسات المستقبلية
إن تسريح 30 ألف وظيفة في أمازون يحمل دلالات عميقة تتجاوز حدود الشركة نفسها. فهو يعكس حالة عدم اليقين التي تسيطر على قطاع التكنولوجيا بأكمله، والذي شهد موجات تسريح جماعية في شركات كبرى أخرى مثل ميتا ومايكروسوفت وجوجل. يُشير هذا الاتجاه إلى نهاية حقبة من التوسع غير المحدود في هذا القطاع وبداية مرحلة جديدة تركز على الكفاءة والاستدامة.
على صعيد الموظفين، ستكون التداعيات كبيرة، حيث يواجه الآلاف منهم تحدي البحث عن فرص عمل جديدة في سوق تتسم بالمنافسة المتزايدة. أما بالنسبة لأمازون، فقد تؤثر هذه الخطوة على معنويات الموظفين المتبقين وثقافة الشركة، التي طالما اشتهرت ببيئتها الموجهة نحو النمو والابتكار.
من جانب المستثمرين، يُتوقع أن يُنظر إلى هذا القرار كخطوة حاسمة نحو تحسين الأداء المالي وزيادة الربحية في المدى الطويل، على الرغم من أن رد الفعل الفوري في سوق الأسهم قد يشهد بعض التقلبات. أمازون، بتاريخها الحافل بالتحولات، تواجه الآن اختباراً جديداً لقدرتها على التكيف والابتكار في ظل ظروف اقتصادية غير مواتية، مع الحفاظ على مكانتها الرائدة في التجارة الإلكترونية والخدمات السحابية والذكاء الاصطناعي.




