إسرائيل تُسلّم رفات رهينة لمعهد الطب الشرعي لتحديد هويتها
في تطور ذي صلة بالنزاع المستمر في الشرق الأوسط وأزمة الرهائن، سلمت السلطات الإسرائيلية مؤخراً رفات يُعتقد أنها تعود لأحد الرهائن إلى المعهد الوطني للطب الشرعي في أبو كبير. تهدف هذه الخطوة الحيوية إلى إجراء الفحوصات اللازمة للتعرف على هوية الرفات بشكل دقيق، مما يمثل جزءاً من الجهود المستمرة لتحديد مصير الأشخاص الذين اختفوا أو فقدوا حياتهم في سياق الأحداث الأخيرة.

تُعد عملية تسليم الرفات والفحص الجنائي لها ذات أهمية قصوى على الصعيدين الإنساني والقانوني، حيث تسعى العائلات التي فقدت أحباءها إلى معرفة مصيرهم والحصول على قدر من الطمأنينة والإغلاق. يأتي هذا الحدث في ظل سعي إسرائيل الدائم لاستعادة جميع الرهائن الذين تحتجزهم حركة حماس، سواء كانوا أحياء أو جثثاً، منذ الهجمات التي وقعت في السابع من أكتوبر الماضي.
خلفية الأزمة وأزمة الرهائن
اندلعت الأزمة الراهنة إثر الهجوم الذي شنته حركة حماس على بلدات إسرائيلية محاذية لقطاع غزة في 7 أكتوبر 2023. أسفر الهجوم عن مقتل نحو 1200 شخص، واحتجاز ما يقرب من 250 آخرين كرهائن، تم نقل غالبيتهم إلى داخل قطاع غزة. منذ ذلك الحين، أصبحت قضية الرهائن محورية في الصراع، وتصدرت جهود استعادتهم قائمة أولويات الحكومة الإسرائيلية.
تتضمن قائمة الرهائن مدنيين من مختلف الأعمار والجنسيات، بالإضافة إلى جنود إسرائيليين. وقد تم إطلاق سراح عدد منهم في صفقة تبادل جزئية خلال هدنة مؤقتة في نوفمبر 2023، بينما تم تحرير آخرين عبر عمليات عسكرية إسرائيلية. ومع ذلك، لا يزال العشرات في الأسر، وتتضارب الأنباء حول عددهم ومصيرهم، حيث تشير بعض التقديرات إلى وفاة عدد منهم خلال فترة الاحتجاز أو نتيجة العمليات العسكرية في غزة.
تشكل هذه الأزمة ضغطاً هائلاً على عائلات الرهائن في إسرائيل، التي تواصل تنظيم الاحتجاجات والفعاليات للمطالبة بعودتهم، وتطالب الحكومة بتكثيف جهودها في هذا الصدد. ويُعد استلام رفات أي رهينة خطوة مؤلمة ولكنها ضرورية لتوفير بعض الإجابات للعائلات المنتظرة.
تفاصيل عملية التسليم والفحص
تُشير المعلومات إلى أن عملية تسليم الرفات الأخيرة تمت عبر قنوات مختلفة، قد تكون جزءاً من اتفاقيات غير معلنة أو جهود وساطة، أو نتيجة لعمليات عسكرية أسفرت عن العثور على جثث. بعد استلام الرفات، يتم نقلها فوراً إلى المعهد الوطني للطب الشرعي في أبو كبير (المعروف أيضاً باسم معهد ليونارد ولفسون للطب الشرعي) في تل أبيب.
يُعد المعهد مركزاً رائداً في إسرائيل للتحقيق في الوفيات المشبوهة، وتحديد هويات الجثث والرفات. يقوم فريق من الخبراء المتخصصين في الطب الشرعي، وعلم الأمراض، وعلم الأنثروبولوجيا الشرعية، وطب الأسنان الشرعي، وعلم الوراثة، بإجراء سلسلة من الفحوصات المعقدة. تتضمن هذه الفحوصات عادةً:
- تحليل الحمض النووي (DNA): يُعد هذا الأسلوب هو الأداة الأكثر دقة لتحديد الهوية، حيث يتم مقارنة عينات الحمض النووي المستخرجة من الرفات مع عينات الحمض النووي المقدمة من أقارب الرهائن المفقودين.
- فحص الأسنان: تتم مطابقة سجلات الأسنان والتركيبات السنية مع السجلات الطبية للأسنان المتاحة للأشخاص المفقودين.
- فحص البصمات: في حال وجود أجزاء جلدية تسمح بذلك، يتم فحص البصمات.
- تحليل الأنثروبولوجيا الشرعية: يساعد في تقدير العمر، الجنس، والطول، وأي خصائص جسدية مميزة أخرى للرفات.
- الفحص الباثولوجي: لتحديد سبب الوفاة إن أمكن، وأي إصابات قد تكون حدثت قبل الوفاة أو بعدها.
تستغرق هذه العملية وقتاً وتتطلب دقة متناهية لضمان صحة النتائج، خاصةً عندما تكون الرفات في حالة متدهورة أو مجزأة.
الأهمية الإنسانية والقانونية
إن تحديد هوية الرفات له أبعاد إنسانية عميقة وقانونية بالغة الأهمية. فمن الناحية الإنسانية، يوفر هذا الإجراء لعائلات الرهائن المفقودين إجابة نهائية حول مصير أحبائهم. إن حالة عدم اليقين التي يعيشها أفراد العائلة هي عبء نفسي ثقيل، وقد يساهم تأكيد الوفاة في بدء عملية الحزن والتعافي، وتحديد مكان الدفن اللائق.
من الناحية القانونية، تُلزم اتفاقيات جنيف، التي تُشكل جوهر القانون الدولي الإنساني، أطراف النزاع بالتعامل باحترام مع الموتى. يشمل ذلك جمع الرفات، وتسجيل المعلومات المتعلقة بها، وتحديد هويتها، وحماية القبور. كما يضمن القانون الدولي الإنساني حق العائلات في معرفة مصير أقاربها المفقودين. يمكن أن تُشكل نتائج الفحص الشرعي أيضاً أدلة مهمة في التحقيقات المستقبلية حول ملابسات الوفاة، وربما تساعد في تحديد المسؤوليات.
تُعد هذه العملية جزءاً من واجب الدولة تجاه مواطنيها، حتى في أصعب الظروف، لتقديم الدعم والمعلومات اللازمة في أوقات الحزن والألم.
التداعيات والجهود المستمرة
يُسلط تسليم رفات رهينة الضوء مرة أخرى على التحديات الكبيرة التي تواجه جهود استعادة الرهائن جميعاً. فكل عملية تحديد هوية تؤكد وفاة أحد الرهائن تزيد من الضغط على الحكومة الإسرائيلية للتوصل إلى صفقة شاملة مع حماس، سواء لتحرير الرهائن الأحياء أو لاستعادة جثث المتوفين.
تشارك عدة دول ومنظمات دولية في جهود الوساطة الدبلوماسية بين إسرائيل وحماس، بهدف التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل الرهائن والأسرى. تُعد قطر ومصر والولايات المتحدة لاعبين رئيسيين في هذه الجهود. ومع ذلك، فإن المفاوضات معقدة وتتخللها عقبات عديدة، مما يجعل كل خطوة نحو حل هذه الأزمة خطوة بطيئة ومحفوفة بالصعوبات.
يظل مصير العديد من الرهائن مجهولاً، وتستمر عمليات البحث والاستخبارات الإسرائيلية في محاولة تحديد مواقعهم أو استعادة رفاتهم. تُبرز هذه الأحداث الجانب المأساوي للصراع وتداعياته الإنسانية العميقة، مؤكدة على ضرورة إيجاد حلول تُنهي معاناة العائلات المتضررة.





