إسرائيل ترد بقوة على كندا بشأن تصريحات "اعتقال نتنياهو"
شهدت العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل وكندا توترًا ملحوظًا في الأيام الأخيرة، عقب تصريح منسوب إلى مسؤول كندي بارز حول إمكانية اعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في حال زيارته لكندا. وقد جاء الرد الإسرائيلي حاسمًا، حيث دعت متحدثة باسم الحكومة الإسرائيلية، يوم الثلاثاء، رئيس الوزراء الكندي (المشار إليه خطأً في السياق الأصلي بمارك كارني) إلى إعادة النظر في أي دعوة كهذه، مؤكدة على رفض إسرائيل المطلق لهذه التهديدات.
خلفية التصريحات الكندية
تعود جذور هذه التوترات إلى الدعوات المتزايدة في الأوساط الدولية، وبعض الدول الغربية على وجه الخصوص، لمحاسبة المسؤولين الإسرائيليين والفلسطينيين على خلفية النزاع الدائر في قطاع غزة. وتأتي هذه الدعوات غالبًا من منظمات حقوق الإنسان التي تتهم كلا الجانبين بارتكاب انتهاكات محتملة للقانون الدولي الإنساني. وفي السياق الكندي، تصاعدت المطالب من قبل بعض النواب والمنظمات المدنية بالتحقيق في تصرفات القادة الإسرائيليين والفلسطينيين، وتطبيق مبدأ الولاية القضائية العالمية.
البيان الذي أثار الجدل، والذي نُسب إلى رئيس الوزراء الكندي (مارك كارني، حسب النص الأصلي المقدم، مع العلم أنه شخصية مختلفة في الواقع)، جاء ليعكس جزءًا من هذا الضغط المتنامي. فالدعوة إلى "اعتقال نتنياهو إذا زار البلاد" ليست مجرد تصريح عابر، بل هي تعبير عن موقف قد يُفسر على أنه يهدد الحصانة الدبلوماسية لرئيس حكومة دولة ذات سيادة، ويفتح الباب أمام تعقيدات قانونية وسياسية كبرى.
الموقف الإسرائيلي والرفض القاطع
جاء الرد الإسرائيلي سريعًا وحازمًا على هذه التصريحات. فقد أكدت الحكومة الإسرائيلية على لسان متحدثتها أن هذه الدعوات غير مقبولة بتاتًا، وتعد تدخلًا سافرًا في شؤون دولة ذات سيادة. وشنت إسرائيل هجومًا دبلوماسيًا مضادًا، مشددة على أن قادتها يتصرفون وفقًا للقانون الدولي دفاعًا عن أمن مواطنيها، وأن الجيش الإسرائيلي هو جيش أخلاقي يلتزم بالقوانين الدولية خلال عملياته العسكرية. وتعتبر إسرائيل أن مثل هذه التصريحات تمثل محاولة لتجريم قيادتها المنتخبة ديمقراطيًا، وتقويض حقها في الدفاع عن النفس.
يُعد هذا الموقف جزءًا من استراتيجية إسرائيلية أوسع لرفض أي محاولات لتطبيق الولاية القضائية العالمية عليها أو على مسؤوليها فيما يتعلق بأعمالها العسكرية، خاصة وأن إسرائيل ليست طرفًا في المحكمة الجنائية الدولية (ICC) ولا تعترف بسلطتها القضائية على أراضيها أو مواطنيها. وقد سبق لإسرائيل أن رفضت قرارات وتصريحات مماثلة من جهات دولية أخرى.
تداعيات قانونية ودبلوماسية
تثير هذه المسألة تساؤلات جدية حول مبدأ الحصانة السيادية لرؤساء الدول والحكومات، وحول نطاق تطبيق الولاية القضائية العالمية. ففي حين تسمح بعض القوانين الدولية للدول بملاحقة الأفراد المتهمين بجرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية بغض النظر عن مكان ارتكاب الجريمة أو جنسية الجاني، فإن تطبيق هذا المبدأ على قادة دول أجنبية لا يزال يكتنفه الكثير من التعقيدات والجدل القانوني والدبلوماسي.
- الحصانة الدبلوماسية: يتمتع رؤساء الدول والحكومات عادة بحصانة من الملاحقة القضائية في الدول الأجنبية أثناء فترة ولايتهم، وهي حصانة تهدف إلى ضمان سير العلاقات الدبلوماسية بسلاسة.
- الولاية القضائية العالمية: تتيح للدول ملاحقة مرتكبي الجرائم الخطيرة (مثل الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية) بغض النظر عن مكان وقوع الجريمة. ومع ذلك، غالبًا ما تتطلب هذه الملاحقات وجود المتهم على أراضي الدولة التي تود محاكمته.
- المحكمة الجنائية الدولية: على الرغم من أن المحكمة الجنائية الدولية يمكن أن تصدر أوامر اعتقال ضد رؤساء دول، فإن سلطتها لا تمتد إلا إلى الدول الأعضاء فيها أو التي تقبل ولايتها القضائية، وهو ما لا ينطبق على إسرائيل.
التأثير على العلاقات الثنائية والساحة الدولية
من المرجح أن يكون لهذه التصريحات وتداعياتها تأثير سلبي على العلاقات بين إسرائيل وكندا. فكندا، التي كانت تعتبر من الدول الصديقة لإسرائيل تاريخيًا، تشهد تحولًا في مواقفها الدبلوماسية، مدفوعة بتيارات سياسية داخلية وضغوط دولية. قد تؤدي هذه التوترات إلى استدعاء السفراء أو تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي، أو تعليق بعض أشكال التعاون الثنائي.
على الصعيد الدولي، تعكس هذه الحادثة تزايد الضغوط على إسرائيل في ظل النزاع الدائر في غزة، وتنامي الدعوات للمحاسبة الدولية. إنها تسلط الضوء على المعركة الدبلوماسية والقانونية المستمرة التي تخوضها إسرائيل للدفاع عن شرعية عملياتها العسكرية وسيادة قادتها. وتزيد مثل هذه التصريحات من تعقيد الجهود الدبلوماسية الرامية إلى تحقيق الاستقرار في المنطقة، وتؤكد على الانقسامات العميقة في المجتمع الدولي حول قضايا الصراع والعدالة الدولية.
في الختام، فإن الرد الإسرائيلي الحازم على التصريحات الكندية بشأن "اعتقال نتنياهو" يمثل حلقة جديدة في سلسلة التحديات الدبلوماسية والقانونية التي تواجهها إسرائيل، ويؤكد على الحاجة الماسة إلى حوار دبلوماسي بناء لتجاوز الخلافات وتوضيح المواقف، بدلًا من التهديدات التي قد تزيد من حدة التوتر في منطقة الشرق الأوسط والعلاقات الدولية.





