إسرائيل وطموح تفكيك المنطقة إلى دويلات: هل السويداء هي البوابة نحو هذا الهدف؟
تتجدد النقاشات، خاصة خلال السنوات الأخيرة، حول طموحات إسرائيلية مزعومة لتفكيك المنطقة إلى دويلات صغيرة، وذلك وسط تسليط الضوء على محافظة السويداء السورية كبوابة محتملة لتحقيق هذا الهدف. تثير هذه الفرضيات تساؤلات عميقة حول طبيعة النفوذ الإقليمي، والاضطرابات الداخلية التي تشهدها المنطقة، ودور المجتمعات المحلية في تشكيل مستقبلها الجيوسياسي.

الخلفية التاريخية والسياق الجيوسياسي
إن مفهوم تجزئة الدول في الشرق الأوسط ليس بجديد، إذ تعود جذوره إلى الترتيبات الاستعمارية وما بعدها، مثل اتفاقية سايكس-بيكو التي رسمت حدوداً لم تأخذ في الحسبان التكوينات العرقية والطائفية. أدت هذه التركيبة إلى توترات كامنة تفجرت مراراً، خاصة مع اندلاع الصراع السوري عام 2011. لقد وفرت الأزمة السورية أرضاً خصبة لظهور حركات ذات توجهات انفصالية أو ساعية للاستقلال الذاتي، ما فاقم من الانقسامات المجتمعية. يرى العديد من المحللين أن قوى خارجية، بما فيها إسرائيل، قد تنظر إلى مثل هذا التفتيت كأداة لخدمة مصالحها الاستراتيجية، لا سيما في إضعاف الدول المعادية وإنشاء مناطق عازلة.
وضع السويداء والطائفة الدرزية
تتمتع السويداء، المحافظة ذات الغالبية الدرزية في جنوب سوريا، بموقع فريد ومعقد ضمن المشهد السوري. حافظ الدروز تاريخياً على درجة من التماسك الاجتماعي والسعي للحفاظ على استقلاليتهم الذاتية في خضم الصراعات الوطنية الأوسع. وخلال الحرب الأهلية السورية، ظلت السويداء بمعزل نسبي عن مناطق النزاع الكبرى، رغم تعرضها لحوادث أمنية وضغوط اقتصادية متقطعة. وقد عبر قادة محليون وسكان مراراً عن مطالبهم بتحسين الأوضاع الأمنية والمعيشية، وزيادة الإدارة الذاتية. ومن أبرز الأصوات المطالبة بحق الدروز في تقرير مصيرهم كان الشيخ حكمت الهجري، أحد الزعماء الروحيين البارزين. ورغم أن هذه الدعوات تركز غالباً على تعزيز السيطرة الإدارية والأمنية ضمن إطار سوريا موحدة، إلا أن بعض التفسيرات، مدفوعة بديناميكيات المنطقة المتقلبة، تمتد لتشمل أشكالاً أعمق من الاستقلال.
النفوذ الإسرائيلي والمصالح الإقليمية
تعتبر فكرة سعي إسرائيل بنشاط لاستراتيجية التفكيك الإقليمي موضوعاً لتكهنات جيوسياسية مكثفة. فمن منظور إسرائيل، تشكل سوريا الموحدة والقوية، خاصة إذا كانت متحالفة مع إيران وحزب الله، تهديداً أمنياً كبيراً. وبالتالي، قد تخدم دولة سورية ضعيفة أو مجزأة، وربما مقسمة على أسس طائفية أو عرقية، المصالح الاستراتيجية الإسرائيلية من خلال تقليل التهديد من حدودها الشمالية. وعلى الرغم من عدم وجود تصريحات إسرائيلية رسمية تدعم قيام دولة درزية في سوريا، إلا أن بعض التحليلات تشير إلى أن إسرائيل قد تشجع سراً الحركات التي تعزز الحكم الذاتي أو الإدارة المحلية، لا سيما بين مجتمعات مثل الدروز، الذين تربطها بهم روابط تاريخية وديموغرافية (بسبب وجود أقلية درزية كبيرة داخل إسرائيل). ويهدف مثل هذا النهج، إذا تم اتباعه، إلى إنشاء كيان عازل صديق أو على الأقل محايد، دون الدعوة بالضرورة إلى إقامة دولة كاملة، الأمر الذي قد يؤدي إلى زعزعة استقرار أوسع في المنطقة.
التطورات الأخيرة والتداعيات المحتملة
شهدت السويداء خلال السنوات الأخيرة موجات عديدة من الاحتجاجات، مدفوعة في المقام الأول بالضائقة الاقتصادية الشديدة، والفساد المستشري، وتدهور الأوضاع الأمنية. وقد عززت هذه المظاهرات، التي غالباً ما يقودها نشطاء محليون وبدعم من الزعماء الدينيين، من المطالب بالحكم المحلي الأوسع وإزالة الميليشيات التابعة للنظام. وقد فُسرت تصريحات شخصيات مثل الشيخ الهجري، التي تدعو إلى حق الدروز في تقرير مستقبلهم، بطرق مختلفة عبر المنطقة. فبينما يرى البعض أنها مطالب مشروعة بالإصلاح والحكم الذاتي، ينظر إليها آخرون من خلال عدسة الأجندات الخارجية، لا سيما تلك المنسوبة لإسرائيل. أي تحرك ملموس نحو حكم ذاتي كبير أو انفصال في السويداء ستكون له تداعيات عميقة، قد تعيد تشكيل وحدة الأراضي السورية وتستدعي ردود فعل من مختلف الفاعلين الإقليميين والدوليين، بما في ذلك النظام السوري، وإيران، وروسيا، والولايات المتحدة. كما أنه سيخاطر بإعادة إشعال التوترات الطائفية الأوسع.
إن التفاعل المعقد بين التطلعات المحلية لتقرير المصير، والطموحات الجيوسياسية الإقليمية، والأزمة السورية المستمرة، يجعل مستقبل السويداء، والمنطقة الأوسع برمتها، غامضاً للغاية. ويبقى السؤال حول ما إذا كانت السويداء يمكن أن تصبح نقطة انطلاق لاستراتيجية تفكيك إقليمي أوسع محور نقاش مستمر، مؤكداً على التوازن الدقيق للقوى والشبكة المعقدة من المصالح المتشابكة في الشرق الأوسط.





