إعلان حزب العمال الكردستاني سحب مقاتليه من تركيا إلى شمال العراق
في خطوة تاريخية أثارت آمالاً عريضة بإنهاء عقود من الصراع، أعلن حزب العمال الكردستاني (PKK)، في أوائل مايو 2013، بدء عملية سحب جميع مقاتليه المسلحين من الأراضي التركية إلى قواعده في شمال العراق. جاء هذا الإعلان ضمن مبادرة سلام أوسع نطاقاً كانت تهدف إلى إنهاء النزاع المسلح المستمر منذ عام 1984 بين الدولة التركية والحزب المصنف إرهابياً من قبل تركيا والعديد من الدول الغربية. كانت هذه الخطوة بمثابة الاختبار الحاسم لجدية طرفي النزاع في التوصل إلى حل سياسي دائم.
خلفية الصراع ومسار السلام
يمتد الصراع بين تركيا وحزب العمال الكردستاني لأكثر من ثلاثة عقود، مخلفاً عشرات الآلاف من القتلى وخسائر اقتصادية فادحة. يطالب الحزب، الذي أسسه عبد الله أوجلان، بحقوق ثقافية وسياسية أوسع للأقلية الكردية في تركيا، ومر بمراحل مختلفة من المطالب الانفصالية إلى الحكم الذاتي الديمقراطي. بعد اعتقال أوجلان في عام 1999، استمر الصراع ولكن مع محاولات متقطعة للتهدئة.
في أواخر عام 2012، بدأت الحكومة التركية بقيادة رئيس الوزراء آنذاك رجب طيب أردوغان، في مفاوضات سرية مع أوجلان المسجون، وذلك بهدف إيجاد حل سلمي للقضية الكردية. تكللت هذه المفاوضات بنداء تاريخي وجهه أوجلان من سجنه في جزيرة إمرالي في مارس 2013 خلال احتفالات عيد النوروز، دعا فيه مقاتلي الحزب إلى وقف إطلاق النار وسحب أسلحتهم خارج تركيا، والانتقال إلى مرحلة النضال السياسي السلمي.
تفاصيل الانسحاب وتحدياته
بدأت عملية الانسحاب المعلن عنها بشكل فعلي في الثامن من مايو 2013، وشملت نقل مقاتلي حزب العمال الكردستاني وأسلحتهم من الجبال الوعرة في جنوب شرق تركيا إلى مناطق جبل قنديل في إقليم كردستان العراق. كان من المتوقع أن تتم هذه العملية على مراحل، وتستمر لعدة أشهر. وقد صرح قادة الحزب في جبال قنديل بأن الانسحاب سيتم ببطء لضمان سلامة مقاتليهم وللضغط على الحكومة التركية لتنفيذ وعودها بالإصلاحات الديمقراطية وحقوق الأكراد.
واجهت عملية الانسحاب تحديات كبيرة وعقبات متعددة:
- مخاوف تركية: عبرت الحكومة التركية عن قلقها بشأن مدى التزام الحزب بالانسحاب الكامل، وطالبت بآليات واضحة للتحقق من خروج المقاتلين. كما شددت على ضرورة عدم عودة المقاتلين مستقبلاً.
- مطالب حزب العمال الكردستاني: أكد الحزب أن الانسحاب كان مشروطاً بتنفيذ تركيا لإصلاحات سياسية وثقافية تضمن حقوق الأكراد، بما في ذلك إصلاحات دستورية وقانونية تتعلق بالتعليم واللغة والمشاركة السياسية.
- معارضة داخلية: واجهت مبادرة السلام معارضة من بعض الأحزاب القومية التركية التي اعتبرتها تنازلاً للحزب المصنف إرهابياً.
- الدور العراقي: أثار وجود مقاتلي حزب العمال الكردستاني في شمال العراق توترات مع الحكومة العراقية وإقليم كردستان العراق، التي لم ترغب في أن تصبح أراضيها ساحة للصراع التركي الكردي.
تداعيات ومآلات عملية السلام
على الرغم من الآمال التي رافقت إعلان الانسحاب، فإن عملية السلام لم تصمد طويلاً. في عام 2015، وبشكل خاص بعد تفجير سوروج الذي استهدف نشطاء موالين للأكراد، انهارت الهدنة وتصاعدت حدة الاشتباكات بين الجيش التركي وحزب العمال الكردستاني. تبادل الطرفان الاتهامات بخرق الاتفاق وعدم الالتزام ببنود عملية السلام.
عزا محللون فشل العملية إلى عدة أسباب رئيسية:
- غياب الثقة: استمر انعدام الثقة العميق بين الطرفين، حيث شككت تركيا في نية الحزب التخلي عن السلاح، بينما شكك الحزب في التزام أنقرة بالإصلاحات الجوهرية.
- التعقيدات الإقليمية: أثرت التطورات في سوريا والعراق، وصعود تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ودور وحدات حماية الشعب الكردية (YPG) في سوريا، على الديناميكيات الداخلية وخلقت ضغوطاً إضافية على عملية السلام.
- الضغوط السياسية: واجهت الحكومة التركية ضغوطاً سياسية داخلية، خاصة مع اقتراب الانتخابات، مما جعلها أقل مرونة في تقديم تنازلات.
إن إعلان حزب العمال الكردستاني سحب مقاتليه في 2013 يظل نقطة تحول بارزة في تاريخ الصراع التركي الكردي، حيث مثل أقرب فرصة للتوصل إلى حل سلمي شامل. على الرغم من فشلها، إلا أنها وفرت دروساً مهمة حول تعقيدات النزاعات الطويلة الأمد وضرورة بناء الثقة المتبادلة والالتزام السياسي الراسخ لإنجاح أي مبادرة سلام مستقبلية.




