واشنطن تحذر العراق من رد الفصائل المسلحة على عمليات عسكرية محتملة
في أواخر شهر يناير وبداية فبراير 2024، وجهت الإدارة الأميركية تحذيراً شديد اللهجة إلى الحكومة العراقية في بغداد، مطالبة إياها بمنع الفصائل المسلحة المتحالفة مع إيران من شن أي هجمات انتقامية رداً على عمليات عسكرية أميركية كانت وشيكة. جاء هذا التحذير في أعقاب هجوم مميت بطائرة مسيرة استهدف قاعدة أميركية في الأردن وأدى إلى مقتل ثلاثة جنود أميركيين، مما وضع العلاقات بين واشنطن وبغداد تحت ضغط هائل وأثار مخاوف من تصعيد إقليمي واسع النطاق.

خلفية التصعيد
تصاعدت التوترات بشكل كبير بعد الهجوم الذي وقع في 28 يناير 2024 على قاعدة "البرج 22" الأميركية في الأردن، بالقرب من الحدود مع سوريا والعراق. أدى الهجوم، الذي نُفذ بطائرة مسيرة، إلى مقتل ثلاثة جنود أميركيين وإصابة العشرات، وهو ما مثل نقطة تحول دفعت واشنطن إلى التعهد برد حاسم. اتهمت الولايات المتحدة مباشرة "المقاومة الإسلامية في العراق"، وهي مظلة تضم فصائل مسلحة مدعومة من إيران، بالوقوف وراء الهجوم. يأتي هذا الحادث في سياق أوسع لأكثر من 160 هجوماً استهدفت القوات الأميركية في العراق وسوريا منذ بدء الحرب في غزة في أكتوبر 2023.
التحذير الأميركي وتفاصيله
قبيل تنفيذ ردها العسكري، قامت واشنطن بإيصال رسالة واضحة إلى حكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني عبر قنوات دبلوماسية. تضمنت الرسالة تحذيراً مفاده أن الولايات المتحدة ستعتبر الحكومة العراقية مسؤولة بشكل مباشر في حال قامت الفصائل المسلحة التي تنشط على أراضيها بالرد على الضربات الأميركية المرتقبة. هدفت هذه الخطوة إلى الضغط على بغداد لكبح جماح هذه الفصائل ومنعها من جر البلاد إلى مواجهة مباشرة مع القوات الأميركية، وهو ما يضع حكومة السوداني في موقف حرج للغاية بين حليفها الأمني الأميركي والقوى السياسية والعسكرية النافذة المتحالفة مع طهران.
التطورات اللاحقة: الضربات الأميركية الانتقامية
ترجمةً لتهديداتها، شنت القوات الأميركية في مساء يوم الجمعة، 2 فبراير 2024، سلسلة واسعة من الضربات الجوية في كل من العراق وسوريا. أعلنت القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم) أن الضربات استهدفت أكثر من 85 موقعاً مرتبطاً بفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني والفصائل المسلحة التابعة له. وشملت الأهداف ما يلي:
- مراكز للقيادة والسيطرة.
- منشآت استخباراتية.
- مخازن صواريخ وطائرات مسيرة.
- بنى تحتية لوجستية وسلاسل إمداد للذخيرة.
أكدت واشنطن أن هذه الضربات كانت مجرد بداية لردها، وأنها ستستمر في أوقات وأماكن تختارها، بهدف ردع الهجمات المستقبلية وحماية قواتها في المنطقة.
ردود الفعل والتداعيات
أثارت الضربات الأميركية ردود فعل قوية، خصوصاً من جانب الحكومة العراقية التي وصفتها بأنها "انتهاك صارخ للسيادة العراقية" و"تصعيد خطير". أعلنت بغداد أن الهجمات أسفرت عن مقتل 16 شخصاً، بينهم مدنيون، وإصابة 25 آخرين، مؤكدة أنها تقوض جهود إرساء الاستقرار في البلاد. كما شددت الحكومة العراقية على أن هذه الضربات تضع الشراكة الأمنية مع التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة على المحك، وتدفعها بقوة نحو إنهاء وجود هذا التحالف على الأراضي العراقية. من جانبها، توعدت بعض الفصائل المسلحة بالانتقام، في حين كانت كتائب حزب الله، إحدى أبرز الفصائل، قد أعلنت قبيل الضربات الأميركية تعليق عملياتها ضد القوات الأميركية، في خطوة فسرت على أنها محاولة لتخفيف الضغط عن الحكومة العراقية وتجنب تصعيد أوسع.
الأهمية والسياق الأوسع
تكمن أهمية هذه الأحداث في أنها تكشف عن الوضع الهش والمعقد الذي يواجهه العراق. فالحكومة العراقية تجد نفسها عالقة بين ضغوط الولايات المتحدة، التي تحتفظ بوجود عسكري في البلاد لمحاربة فلول تنظيم "داعش"، وبين نفوذ الفصائل المسلحة القوية التي تعد جزءاً من النسيج السياسي والأمني العراقي ولها أجندتها المتحالفة مع إيران. هذا التحذير والضربات التي تلته يعقدان بشدة المحادثات الجارية بين بغداد وواشنطن حول مستقبل الوجود العسكري الأجنبي، ويزيدان من خطر تحول العراق إلى ساحة رئيسية للصراع بين الولايات المتحدة وإيران بالوكالة، مما يهدد استقرار البلاد والمنطقة بأسرها.





