إعلان دستوري من أبو مازن يوضح آليات خلافة الرئيس الفلسطيني
أصدر الرئيس الفلسطيني محمود عباس، المعروف أيضاً بـ أبو مازن، مؤخراً إعلاناً دستورياً جديداً يهدف إلى تحديد الآليات والإجراءات الواجب اتباعها في حال شغور منصب رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية. يأتي هذا الإعلان في ظل غياب المجلس التشريعي الفلسطيني وانعدام الانتخابات الرئاسية منذ فترة طويلة، مما يثير تساؤلات حول استقرار القيادة والانتقال السلس للسلطة. يسعى الإعلان إلى سد الفراغ القانوني وضمان استمرارية عمل المؤسسات الفلسطينية في ظرف إقليمي ودولي بالغ التعقيد.

الخلفية
تأسست السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1994 بموجب اتفاقيات أوسلو، وكان من المفترض أن تكون مرحلة انتقالية نحو دولة فلسطينية مستقلة. ومنذ عام 2006، لم يشهد المجلس التشريعي الفلسطيني (البرلمان) انتخابات، ودخل في حالة شلل وجمود بسبب الانقسام السياسي بين حركتي فتح وحماس. هذا الغياب للجسد التشريعي يترك فراغاً قانونياً كبيراً، خاصة في القضايا الدستورية الحساسة مثل خلافة الرئاسة.
يتولى الرئيس محمود عباس منصب رئيس السلطة منذ عام 2005، بعد وفاة الرئيس ياسر عرفات. ورغم أن ولايته الدستورية انتهت في 2009، إلا أنه استمر في منصبه بسبب عدم إجراء انتخابات جديدة، مما أثار جدلاً حول شرعيته المستمرة. مع تقدم الرئيس عباس في العمر وتدهور حالته الصحية أحياناً، تزايدت التكهنات والتساؤلات حول من سيخلفه وكيف سيتم هذا الانتقال، خاصة في ظل عدم وجود نائب رئيس منتخب أو آليات واضحة ومعترف بها على نطاق واسع.
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها تناول مسألة الخلافة دستورياً في عام 2024. فقد صدر الإعلان الدستوري رقم (1) لسنة 2024 في وقت سابق من العام نفسه، وهو ما ألغاه الإعلان الجديد. هذا يشير إلى محاولات مستمرة لتحديث أو تعديل الأطر القانونية لخلافة الرئيس، ربما لمعالجة نقاط ضعف أو تعزيز جوانب معينة.
أبرز بنود الإعلان الدستوري الجديد
ينص الإعلان الدستوري الجديد على آلية واضحة لخلافة الرئيس في الظروف المحددة. ومن أبرز بنوده:
- شغور المنصب وغياب المجلس التشريعي: في حال شغور منصب رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية – سواء بالوفاة أو الاستقالة أو العجز الدائم – وفي ظل استمرار غياب المجلس التشريعي الفلسطيني، يتولى نائب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، والذي هو أيضاً رئيس دولة فلسطين، مهام الرئاسة مؤقتاً.
 - الفترة المؤقتة للرئاسة: تحدد هذه الفترة المؤقتة بتسعين يوماً كحد أقصى، يتعين خلالها إجراء انتخابات رئاسية حرة ومباشرة لانتخاب رئيس جديد، وذلك وفقاً لقانون الانتخابات الفلسطيني المعمول به.
 - تمديد الفترة في حالات القوة القاهرة: في حال تعذر إجراء الانتخابات خلال المدة المحددة لأسباب تتعلق بـ القوة القاهرة – مثل ظروف الحرب، أو الكوارث الطبيعية، أو استمرار الاحتلال الذي يعيق العملية الانتخابية – يمنح الإعلان صلاحية للمجلس المركزي الفلسطيني (أحد أطر منظمة التحرير الفلسطينية) لتمديد الفترة الرئاسية المؤقتة لمرة واحدة فقط.
 - إلغاء الإعلان السابق: يؤكد الإعلان صراحة إلغاء الإعلان الدستوري رقم (1) لسنة 2024 السابق، ويبرر ذلك بـ "الحفاظ على المصلحة الوطنية للشعب الفلسطيني"، مما يعني أن الإعلان الجديد يمثل مراجعة أو تعديلاً لما سبقه لضمان أفضل الممارسات القانونية والسياسية.
 
الأهمية والتداعيات
تتجاوز أهمية هذا الإعلان مجرد سد فراغ قانوني لتشمل عدة جوانب سياسية ومؤسسية:
- منع الفراغ في السلطة: الهدف الأساسي هو منع حدوث فراغ في السلطة أو فوضى دستورية في مرحلة حساسة للغاية من تاريخ القضية الفلسطينية، خاصة مع التحديات الأمنية والسياسية المستمرة.
 - استمرارية المؤسسات: يضمن الإعلان استمرارية عمل مؤسسات السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، ويقدم إطاراً قانونياً للانتقال، حتى لو كان انتقالاً مؤقتاً، مما يعزز الاستقرار المؤسسي.
 - رسالة للأطراف الدولية: قد يطمئن هذا الإعلان بعض الأطراف الدولية التي تتطلع إلى استقرار القيادة الفلسطينية، خاصة في ظل الأوضاع الراهنة في المنطقة، ويقدم وضوحاً حول مسار القيادة في المستقبل القريب.
 - ترتيب البيت الداخلي: يمثل هذا الإعلان أيضاً محاولة لترتيب البيت الداخلي لـ حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية، حيث أن منصب نائب رئيس اللجنة التنفيذية هو منصب قيادي داخل المنظمة.
 - تحديات الشرعية: بالرغم من أن الإعلان يسعى لسد ثغرة قانونية، إلا أنه لا يحل مشكلة الشرعية الناتجة عن عدم إجراء الانتخابات الديمقراطية منذ سنوات طويلة. الاعتماد على التعيينات بدلاً من الانتخابات المباشرة قد يزيد من الانتقادات المتعلقة بالديمقراطية والتمثيل الشعبي في غياب مجلس تشريعي منتخب.
 
ردود الفعل والانتقادات
من المتوقع أن يلقى الإعلان ردود فعل متباينة داخل الساحة الفلسطينية:
- موقف السلطة والمؤيدين: من المرجح أن تعتبر السلطة الفلسطينية والموالون لها هذا الإعلان خطوة ضرورية وحكيمة لضمان الاستقرار والحفاظ على النظام في غياب المجلس التشريعي، مؤكدين على أهميته للمصلحة الوطنية العليا.
 - موقف المعارضة: في المقابل، قد تنتقده فصائل المعارضة، مثل حركة حماس والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، باعتباره محاولة أخرى لتكريس السلطة وتجاوز الإرادة الشعبية، أو أنه لا يقدم حلاً جذرياً للأزمة الدستورية والسياسية التي تعيشها الأراضي الفلسطينية. وقد يرى البعض فيه تحصيناً للوضع الراهن بدلاً من فتح الباب أمام تجديد ديمقراطي حقيقي يعيد الشرعية المستمدة من الشعب.
 - الخبراء القانونيون: قد يطرح خبراء القانون الدستوري تساؤلات حول مدى توافق هذا الإعلان مع القانون الأساسي الفلسطيني (بمثابة الدستور)، وإذا ما كان يتمتع بالصلاحية الكافية لتعديل آليات بهذه الأهمية في غياب هيئة تشريعية منتخبة بشكل كامل وفاعل.
 
التطورات الأخيرة والسياق الأوسع
تأتي هذه الخطوة في سياق إقليمي ودولي مضطرب، حيث تشهد المنطقة تصاعداً في التوترات والصراعات، مما يزيد من الضغوط على القيادة الفلسطينية لضمان وحدة صفها واستقرار مؤسساتها. لطالما كانت مسألة الإصلاح الديمقراطي والانتخابات محور مطالبات فلسطينية ودولية، إلا أن تعقيدات الوضع السياسي والأمني حالت دون إجرائها. يمثل إلغاء الإعلان الدستوري رقم (1) لسنة 2024 بإعلان جديد تعديلاً هاماً يعكس ربما الحاجة إلى مزيد من الوضوح أو التكيف مع ظروف مستجدة، أو معالجة نقاط ضعف في الصياغة السابقة لضمان أعلى مستويات الشفافية والقبول.
باختصار، يمثل الإعلان الدستوري الجديد الصادر عن الرئيس محمود عباس محاولة لتوفير خارطة طريق قانونية للانتقال السلس للسلطة في حالة شغور منصب رئيس السلطة الفلسطينية، خاصة في ظل الشلل الذي أصاب المجلس التشريعي منذ سنوات. يهدف الإعلان إلى الحفاظ على الاستقرار المؤسسي ومنع الفراغ في القيادة، إلا أنه يواجه تحديات كبيرة تتعلق بالقبول السياسي الواسع وشرعية الآليات في ظل غياب الانتخابات الديمقراطية. يبقى السؤال مفتوحاً حول مدى فعالية هذا الإعلان في تحقيق أهدافه على المدى الطويل، وإذا ما كان سيلقى الإجماع المطلوب في الساحة الفلسطينية المعقدة، أم سيثير المزيد من الجدل حول مستقبل النظام السياسي الفلسطيني ومساره الديمقراطي.





