الرئيس عباس يهيئ حسين الشيخ لخلافته في قيادة السلطة الفلسطينية
في ظل تزايد التكهنات حول مستقبل القيادة الفلسطينية، تتجه الأنظار نحو خطوات الرئيس محمود عباس التي تبدو وكأنها ترسم ملامح مرحلة انتقالية حساسة. وتشير التطورات الأخيرة، التي جرت على مدار الأشهر الماضية، إلى أن الرئيس الفلسطيني يعمل بشكل حثيث على تهيئة حسين الشيخ، أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، لتولي دور قيادي مركزي في المستقبل، في محاولة لضمان استمرارية نهج السلطة الحالية وتجنب فراغ سياسي قد يؤدي إلى تفاقم الانقسامات الداخلية.

خلفية وسياق سياسي معقد
تأتي هذه التحركات في سياق سياسي بالغ التعقيد. فالرئيس عباس، الذي تجاوز الثامنة والثمانين من عمره، يقود السلطة الفلسطينية منذ انتخابه في عام 2005، ولم تجر انتخابات رئاسية منذ ذلك الحين. وقد أدى غياب آلية واضحة لانتقال السلطة، بالإضافة إلى الانقسام الجغرافي والسياسي العميق بين الضفة الغربية التي تديرها حركة فتح وقطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة حماس، إلى حالة من الجمود السياسي والقلق بشأن مرحلة ما بعد عباس. وتتزايد أهمية هذا الملف في ظل التحديات الأمنية والاقتصادية التي تواجهها السلطة وتوقف عملية السلام مع إسرائيل.
تصعيد دور حسين الشيخ
برز اسم حسين الشيخ بشكل لافت كشخصية محورية في الدائرة المقربة من الرئيس عباس. وتُعد الخطوة الأبرز في هذا الصعود توليه منصب أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير في مايو 2022، وهو منصب رفيع كان يشغله عباس نفسه قبل توليه الرئاسة، مما اعتبره المراقبون مؤشراً قوياً على أنه الخليفة المفضل. وبالإضافة إلى منصبه في المنظمة، يتولى الشيخ رئاسة الهيئة العامة للشؤون المدنية، وهو ما يجعله المسؤول الأول عن التنسيق مع الجانب الإسرائيلي في مختلف القضايا المدنية والأمنية، كما أنه أصبح الواجهة الرئيسية في المحادثات مع المسؤولين الأمريكيين والأوروبيين. وقد لوحظ في عدة مناسبات أن الرئيس عباس يوكل إليه مهاماً رئاسية، بما في ذلك ترؤس اجتماعات مهمة، خاصة خلال فترات سفر الرئيس إلى الخارج.
التحديات والمنافسون المحتملون
على الرغم من الدعم الرئاسي الواضح، يواجه حسين الشيخ تحديات كبيرة، أبرزها ما يصفه محللون بضعف قاعدته الشعبية مقارنة بشخصيات فلسطينية أخرى. يُنظر إليه على أنه شخصية تكنوقراطية أكثر من كونه قيادياً جماهيرياً، كما أن قربه من ملف التنسيق الأمني مع إسرائيل يجعله شخصية لا تحظى بشعبية واسعة في الشارع الفلسطيني. وفي ساحة الخلافة، تبرز أسماء أخرى لها وزنها السياسي والشعبي، ومن بينهم:
- مروان البرغوثي: القيادي الفتحاوي المعتقل في السجون الإسرائيلية، والذي يتمتع بشعبية جارفة وتظهر استطلاعات الرأي باستمرار قدرته على الفوز في أي انتخابات رئاسية.
 - ماجد فرج: رئيس جهاز المخابرات العامة، وهو شخصية أمنية قوية وذات نفوذ واسع خلف الكواليس ويحظى بثقة أطراف دولية وإقليمية.
 - جبريل الرجوب: أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح، ويمتلك قاعدة تنظيمية قوية داخل الحركة.
 
الأهمية والتداعيات المستقبلية
تكتسب قضية الخلافة أهمية قصوى لأنها ستحدد مسار القضية الفلسطينية لسنوات قادمة. فعملية انتقال سلس للسلطة إلى شخصية مثل حسين الشيخ قد تضمن استمرار السياسات الحالية للسلطة الفلسطينية، بما في ذلك الالتزام بالاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل والتعاون الأمني، وهو ما ترغب فيه القوى الدولية الفاعلة مثل الولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن أي عملية انتقال لا تحظى بشرعية انتخابية أو توافق وطني واسع قد تزيد من هشاشة الوضع الداخلي وتفتح الباب أمام صراعات على السلطة. ويبقى المشهد مفتوحاً على كافة الاحتمالات، حيث ستلعب الديناميكيات داخل حركة فتح، وضغط الشارع الفلسطيني، وتأثير الأطراف الإقليمية والدولية دوراً حاسماً في تحديد هوية القائد الفلسطيني القادم.





