صفقة شاليط: كيف توافقت إسرائيل وحماس على تهميش السلطة الفلسطينية
شكلت صفقة تبادل الأسرى الخاصة بالجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط في عام 2011 حدثاً محورياً في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ليس فقط بسبب الإفراج عن أكثر من ألف أسير فلسطيني، ولكن أيضاً بسبب الديناميكيات السياسية التي كشفت عنها. تمت الصفقة بشكل أساسي بين إسرائيل وحركة حماس، بوساطة دولية، مع غياب لافت ومقصود للسلطة الوطنية الفلسطينية. وكان لدى طرفي الصفقة، إسرائيل وحماس، مصالح استراتيجية واضحة في إبقاء السلطة الفلسطينية بعيداً عن طاولة المفاوضات، وهو ما أعاد تشكيل موازين القوى السياسية الفلسطينية الداخلية لسنوات.

خلفية أسر الجندي والانقسام الفلسطيني
في 25 يونيو 2006، أسرت فصائل فلسطينية بقيادة كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط خلال عملية عسكرية عبر الحدود جنوب قطاع غزة. مهد هذا الحادث الطريق لواحدة من أطول مفاوضات تبادل الأسرى وأكثرها تعقيداً في تاريخ المنطقة. ازداد المشهد تعقيداً بعد الانقسام الفلسطيني الداخلي الذي بلغ ذروته في منتصف عام 2007، عندما سيطرت حركة حماس عسكرياً على قطاع غزة. أدى هذا الانقسام الجغرافي والسياسي إلى عزل السلطة الفلسطينية، التي تتخذ من رام الله مقراً لها، عن قطاع غزة، مما أفقدها أي سيطرة فعلية على مكان احتجاز شاليط.
مسار المفاوضات وتهميش السلطة
امتدت المفاوضات حول إطلاق سراح شاليط لأكثر من خمس سنوات، وتولت مصر وألمانيا دور الوسيط الرئيسي فيها. كانت المحادثات غير مباشرة، حيث قام الوسطاء بنقل الرسائل بين المسؤولين الإسرائيليين وقادة حماس. ومنذ البداية، لوحظ غياب السلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس عن العملية بأكملها. على الرغم من وجود محاولات مصرية مبكرة لإشراك الرئيس عباس بعد أيام من عملية الأسر، إلا أن الواقع فرض نفسه بسرعة. كانت السياسة الإسرائيلية المعلنة هي التفاوض المباشر مع الجهة التي تحتجز الجندي، وهي حماس في غزة، مما جعل أي دور للسلطة غير فعال من الناحية العملية.
من جانبها، أصرت حركة حماس على أن تكون المفاوض الفلسطيني الوحيد في القضية. رأت الحركة في ذلك فرصة لترسيخ شرعيتها كقوة سياسية فاعلة على الساحة الدولية، وإثبات نهجها القائم على "المقاومة" كوسيلة لتحقيق إنجازات ملموسة، على عكس نهج المفاوضات الدبلوماسية الذي تتبعه السلطة الفلسطينية والذي كان متعثراً في ذلك الوقت.
دوافع مشتركة لإبعاد رام الله
لم يكن استبعاد السلطة الفلسطينية مجرد نتيجة للانقسام الجغرافي، بل كان ثمرة تفاهم ضمني بين الخصمين، إسرائيل وحماس، اللذين وجدا مصلحة مشتركة في تهميش منافسهما المشترك في رام الله.
- الدوافع الإسرائيلية: رأت الحكومة الإسرائيلية أن التفاوض مع حماس يخدم أهدافها الاستراتيجية. فقد عزز ذلك صورة حماس كسلطة الأمر الواقع في غزة، مما عمّق الانقسام السياسي الفلسطيني وأضعف شرعية السلطة الفلسطينية كممثل وحيد للشعب الفلسطيني. كما سمح لإسرائيل بالترويج لفكرة عدم وجود "شريك فلسطيني موحد للسلام".
 - الدوافع لدى حماس: كانت الصفقة بمثابة انتصار سياسي كبير للحركة. فمن خلال نجاحها في تحرير 1,027 أسيراً، بينهم قادة بارزون، قدمت حماس نفسها على أنها المدافع الحقيقي عن الحقوق الفلسطينية. وشكل هذا الإنجاز تحدياً مباشراً لسلطة الرئيس عباس، وأظهر قدرة حماس على تحقيق أهداف وطنية في ملف حساس وعاطفي كملف الأسرى، وهو ما فشلت فيه السلطة.
 
الاتفاق النهائي وتداعياته السياسية
في أكتوبر 2011، تم الإعلان عن التوصل إلى اتفاق نهائي. أفرجت إسرائيل عن دفعة أولى من 477 أسيراً مقابل تسلمها شاليط، تلتها دفعة ثانية من 550 أسيراً بعد شهرين. كان إتمام الصفقة بنجاح دون أي مشاركة من السلطة الفلسطينية بمثابة ضربة سياسية قوية لحركة فتح وقيادتها، حيث أكدت على تراجع دورها في القضايا الوطنية الكبرى، لا سيما تلك المتعلقة بقطاع غزة وملف الأسرى. عزز هذا الحدث من سيطرة حماس على غزة وزاد من شعبيتها في الأراضي الفلسطينية، مما زاد من تعقيد جهود المصالحة الفلسطينية في المستقبل.


