سيناريوهات ما بعد عباس وحماس: البحث عن مستقبل للقيادة الفلسطينية
أدت الحرب المستمرة في قطاع غزة والوضع السياسي المتأزم في الضفة الغربية إلى تصعيد النقاشات الدولية والإقليمية حول مستقبل الحكم الفلسطيني، في ظل تساؤلات ملحة حول مرحلة ما بعد الرئيس محمود عباس وسيطرة حركة حماس على القطاع. ومع غياب رؤية موحدة، تتعدد الخطط والمبادرات المطروحة التي ترسم ملامح مختلفة لمستقبل يكتنفه الغموض.

خلفية المشهد السياسي
يعود هذا الجدل إلى عوامل متراكمة أبرزها تقدم الرئيس محمود عباس (88 عامًا) في السن، وغياب آلية واضحة لانتقال السلطة، مما أثار مخاوف من حدوث فراغ سياسي. منذ انتخابه في عام 2005، لم تجر انتخابات رئاسية أو تشريعية جديدة، وهو ما أضعف شرعية السلطة الفلسطينية في نظر الكثير من الفلسطينيين. يضاف إلى ذلك الانقسام السياسي العميق منذ عام 2007، الذي أدى إلى سيطرة حركة فتح على الضفة الغربية عبر السلطة الفلسطينية، بينما أحكمت حركة حماس قبضتها على قطاع غزة. وقد فاقمت الحرب التي اندلعت في 7 أكتوبر 2023 من تعقيد هذا المشهد، حيث وضعت إسرائيل هدفًا معلنًا وهو القضاء على قدرات حماس العسكرية والحكومية، مما فتح الباب أمام نقاش "اليوم التالي" للحرب في غزة.
التطورات والسيناريوهات المطروحة
في خضم هذه التحديات، برزت عدة تصورات وسيناريوهات لمستقبل القيادة الفلسطينية، مدفوعة بضغوط من أطراف دولية وإقليمية، أبرزها الولايات المتحدة والدول العربية. في مارس 2024، وفي خطوة استهدفت إظهار الجدية في الإصلاح، كلف الرئيس عباس الخبير الاقتصادي محمد مصطفى بتشكيل حكومة تكنوقراط جديدة. ورغم أن هذه الخطوة قوبلت بترحيب أمريكي، إلا أنها واجهت انتقادات من فصائل فلسطينية أخرى، بما فيها حماس، التي اعتبرتها تفردًا بالقرار.
- السلطة الفلسطينية "المُجددة": يُعد هذا السيناريو الخيار المفضل للولايات المتحدة والعديد من الدول الأوروبية والعربية. يقوم على أساس إجراء إصلاحات شاملة في هياكل السلطة الفلسطينية لتتولى مسؤولية إدارة الضفة الغربية وقطاع غزة، كجزء من مسار يؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية. لكن هذا الطرح يواجه عقبات كبيرة، أهمها الرفض الإسرائيلي القاطع لعودة السلطة بشكلها الحالي إلى غزة، بالإضافة إلى تراجع شعبيتها بين الفلسطينيين.
 - إدارة دولية أو عربية مؤقتة: يقترح هذا الخيار نشر قوة دولية أو عربية في غزة لفترة انتقالية لتأمين الاستقرار والإشراف على إعادة الإعمار وتأهيل المؤسسات المحلية. ومع ذلك، أبدت الدول العربية المعنية، مثل مصر والأردن، تحفظًا كبيرًا على إرسال قواتها دون وجود أفق سياسي واضح ومسار لا رجعة فيه نحو حل الدولتين.
 - حكم محلي وعشائري: طرحت بعض الدوائر الإسرائيلية فكرة الاعتماد على العشائر والعائلات الكبرى في غزة لإدارة الشؤون المدنية، بهدف خلق بديل لحكم حماس. يرى محللون أن هذا السيناريو غير واقعي ومن المرجح أن يؤدي إلى فوضى واقتتال داخلي، نظرًا لعدم امتلاك هذه العشائر القدرة التنظيمية أو الشرعية الكافية للحكم.
 - إشراك حماس في إطار منظمة التحرير: تصر حركة حماس على أنها جزء لا يتجزأ من النسيج السياسي الفلسطيني ويجب أن تكون طرفًا في أي ترتيبات مستقبلية. وتدعو إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية وإجراء انتخابات شاملة، وهو ما تصطدم به مع رؤية إسرائيل والولايات المتحدة.
 
مواقف الأطراف الرئيسية
تتباين مواقف القوى الفاعلة بشكل كبير. فالإدارة الأمريكية تدعم بقوة خيار السلطة الفلسطينية المُصلَحة، وتربط دعم إعادة إعمار غزة بوجود حكومة فلسطينية موحدة ومقبولة دوليًا. في المقابل، ترفض الحكومة الإسرائيلية الحالية بقيادة بنيامين نتنياهو وجود أي كيان فلسطيني سيادي في غزة، سواء كان بقيادة السلطة الفلسطينية أو حماس، وتشدد على احتفاظ إسرائيل بالسيطرة الأمنية الكاملة على القطاع على المدى المنظور. أما الدول العربية الفاعلة، فتؤكد على ضرورة وجود حل سياسي شامل يضمن إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وتعتبر ذلك شرطًا أساسيًا لمشاركتها في أي ترتيبات أمنية أو إدارية في مرحلة ما بعد الحرب.
الأهمية والتحديات المستقبلية
تكمن أهمية هذه النقاشات في أنها سترسم مستقبل القضية الفلسطينية لعقود قادمة. إن الفشل في التوصل إلى اتفاق حول نموذج حكم قابل للحياة ومقبول فلسطينيًا قد يؤدي إلى استمرار حالة عدم الاستقرار في غزة وتعميق الانقسام الفلسطيني، مما يقوض أي فرصة لتحقيق سلام دائم في المنطقة. ويظل التحدي الأكبر هو التوفيق بين الرؤى المتضاربة للأطراف المختلفة، وإيجاد صيغة تضمن الأمن لإسرائيل وتحقق تطلعات الفلسطينيين في تقرير المصير وإقامة دولتهم المستقلة.




