إنجاز تاريخي: اكتمال مشروع ضخم بدعم ياباني بعد تحديات استمرت 15 عامًا
بعد مسيرة طويلة امتدت لأكثر من عقدين من الزمن، يقف مشروع "المتحف المصري الكبير" على أعتاب الافتتاح الرسمي، ليشكل صرحًا ثقافيًا عالميًا ورمزًا للتعاون المثمر بين مصر واليابان. هذا المشروع العملاق، الذي وُصف بأنه هدية مصر للعالم، لم يكن ليرى النور لولا الدعم الياباني السخي والمستمر، والذي تجلى في تمويل ضخم وخبرات فنية وتقنية ساهمت في تجاوز عقبات سياسية واقتصادية هددت مسيرته في مراحل متعددة منذ بدء تنفيذه.

خلفية المشروع وأهميته الاستراتيجية
يقع المتحف المصري الكبير على هضبة الأهرامات بالجيزة، على مساحة تبلغ حوالي 500 ألف متر مربع، مما يجعله أحد أكبر المتاحف في العالم المخصصة لحضارة واحدة. تم تصميم المتحف ليكون مركزًا عالميًا للثقافة والآثار، حيث يهدف إلى عرض التراث المصري القديم بأسلوب حديث وتفاعلي. من المقرر أن يضم المتحف أكثر من 100 ألف قطعة أثرية، من بينها المجموعة الكاملة لكنوز الملك توت عنخ آمون، والتي ستُعرض لأول مرة في مكان واحد، بما في ذلك قطع لم تُعرض على الجمهور من قبل. لا تقتصر أهمية المتحف على الجانب الثقافي فحسب، بل يُتوقع أن يُحدث نقلة نوعية في قطاع السياحة المصري، ويساهم في تعزيز الاقتصاد الوطني من خلال جذب ملايين الزوار سنويًا.
دور اليابان المحوري في تحقيق الحلم
يُعد الدعم الياباني حجر الزاوية في إنجاز هذا الصرح. فمن خلال "الوكالة اليابانية للتعاون الدولي" (JICA)، قدمت اليابان لمصر قروضًا ميسرة على عدة مراحل لتمويل أعمال البناء والتجهيز. بلغ إجمالي التمويل الياباني للمشروع ما يقرب من 800 مليون دولار أمريكي، مما يجعله أحد أكبر مشاريع التعاون الإنمائي التي تمولها اليابان حول العالم. لم يقتصر الدعم على الجانب المالي، بل امتد ليشمل نقل الخبرات الفنية والتكنولوجية المتقدمة. فقد شارك خبراء يابانيون جنبًا إلى جنب مع نظرائهم المصريين في واحد من أكبر مشاريع ترميم الآثار في التاريخ، حيث تم تأسيس مركز ترميم متطور داخل المتحف، عمل فيه فريق مصري ياباني مشترك على ترميم وحفظ آلاف القطع الأثرية بأحدث التقنيات العلمية.
تحديات على مدى عقد ونصف
بدأت فكرة المشروع في مطلع الألفية، وبدأت أعمال البناء فعليًا في عام 2005. لكن المسيرة لم تكن سهلة، حيث واجه المشروع تحديات جسيمة. شكلت ثورة 25 يناير 2011 وما تلاها من اضطرابات سياسية نقطة فارقة، حيث أدت إلى تباطؤ العمل وتأجيله لسنوات. كما أثرت التحديات الاقتصادية التي مرت بها مصر على توفير الموارد اللازمة. ومؤخرًا، شكلت جائحة كوفيد-19 عقبة إضافية أثرت على سلاسل التوريد والعمالة الدولية. ورغم كل هذه الصعوبات، استمر العمل بفضل الإصرار المصري والتزام الشريك الياباني الذي واصل تقديم الدعم، مؤكدًا على عمق العلاقات بين البلدين ورغبتهما المشتركة في إتمام هذا الإنجاز الحضاري.
التطورات الأخيرة والافتتاح المرتقب
خلال السنوات القليلة الماضية، شهد المشروع تسارعًا كبيرًا في وتيرة العمل. تم الانتهاء من نقل آلاف القطع الأثرية إلى مقره الجديد، بما في ذلك تمثال رمسيس الثاني الضخم، وتوابيت ومقتنيات توت عنخ آمون. كما تم افتتاح أجزاء من المتحف بشكل محدود للزوار في فترات تجريبية تمهيدًا للافتتاح الكبير. ومع اكتمال معظم الأعمال الإنشائية وتجهيز قاعات العرض، يترقب العالم بأسره الإعلان عن الموعد النهائي للافتتاح الرسمي، الذي من المتوقع أن يكون حدثًا عالميًا يليق بأهمية المتحف ومكانة الحضارة المصرية. أصبح الحلم الذي بدأ قبل سنوات طويلة حقيقة ملموسة، تقف شاهدة على قوة الإرادة ونجاح التعاون الدولي.




