إيران تعرض الوساطة لحل التوترات بين باكستان وأفغانستان
في خطوة دبلوماسية تهدف إلى نزع فتيل أزمة متصاعدة، أعلنت الجمهورية الإسلامية الإيرانية عن استعدادها للتوسط بين جارتيها باكستان وأفغانستان. يأتي هذا العرض في أعقاب تبادل للضربات العسكرية والاتهامات التي رفعت منسوب التوتر على الحدود المشتركة بين البلدين إلى مستويات خطيرة، مما يهدد استقرار المنطقة بأكملها. وقد تم التعبير عن المبادرة الإيرانية على لسان وزير خارجيتها، حسين أمير عبد اللهيان، الذي أكد على ضرورة حل الخلافات عبر الحوار والطرق السلمية.

خلفية التصعيد الأخير
لم تكن التوترات بين إسلام آباد وكابول وليدة اللحظة، لكنها شهدت تصعيدًا غير مسبوق في الأيام الأخيرة. بدأت الأزمة الأخيرة عندما شنت باكستان غارات جوية داخل الأراضي الأفغانية، وتحديدًا في ولايتي خوست وبكتيكا، مستهدفة ما وصفتها بأنها معاقل لمقاتلي حركة طالبان باكستان (TTP). وتتهم باكستان الحركة بتنفيذ هجمات دامية داخل أراضيها انطلاقًا من ملاذات آمنة في أفغانستان، وهو ما تعتبره تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي. وتؤكد إسلام آباد أن حكومة طالبان في كابول لم تفِ بتعهداتها بمنع استخدام الأراضي الأفغانية لشن هجمات ضد دول الجوار.
في المقابل، أدانت حكومة طالبان الأفغانية بشدة الغارات الجوية الباكستانية، واصفة إياها بأنها انتهاك صارخ لسيادة أفغانستان وسلامة أراضيها. ونفت كابول مرارًا توفيرها مأوى لجماعات مسلحة، مؤكدة أن المشاكل الأمنية الباكستانية هي شأن داخلي. وقد أدت هذه الضربات إلى رد فعل عسكري من القوات الأفغانية على الحدود، مما أدى إلى اشتباكات متفرقة وزاد من تعقيد الموقف.
تفاصيل المبادرة الإيرانية
جاء العرض الإيراني الرسمي خلال محادثة هاتفية جرت بين وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، ونظيره الباكستاني الجديد، إسحاق دار. وبحسب وسائل إعلام إيرانية رسمية، فقد أعرب عبد اللهيان عن قلق طهران العميق إزاء التطورات الأخيرة، مشددًا على أن الحلول العسكرية لن تؤدي إلا إلى تفاقم الوضع. وأكد استعداد إيران لتقديم المساعدة وتسهيل الحوار بين الطرفين للتوصل إلى حل سياسي ودبلوماسي يرضي جميع الأطراف ويضمن أمن الحدود المشتركة.
تستند المبادرة الإيرانية إلى علاقاتها التاريخية والجغرافية مع كل من باكستان وأفغانستان. فإيران تشترك في حدود طويلة مع البلدين، وأي اضطراب أمني في هذه المنطقة ينعكس مباشرة على أمنها القومي، خاصة فيما يتعلق بقضايا مثل تدفق اللاجئين وتهريب المخدرات وأنشطة الجماعات المتطرفة.
الأهمية والسياق الإقليمي
تكتسب الوساطة الإيرانية أهمية خاصة نظرًا لكون طهران لاعبًا إقليميًا رئيسيًا يمتلك قنوات اتصال مفتوحة مع كل من الحكومة الباكستانية وإدارة طالبان في أفغانستان. ففي حين أن علاقات طالبان مع معظم دول العالم لا تزال محدودة، حافظت إيران على مستوى من الحوار والتنسيق معها منذ سيطرتها على كابول في عام 2021. هذا الموقف يمنحها قدرة فريدة على لعب دور الوسيط المحايد الذي يمكن أن يثق به الطرفان.
إن نجاح مثل هذه الوساطة لن يقتصر أثره على خفض التوتر بين باكستان وأفغانستان فحسب، بل سيعزز أيضًا من الاستقرار الإقليمي الهش. فالصراع المفتوح بين البلدين قد يخلق فراغًا أمنيًا تستغله جماعات متطرفة أخرى مثل تنظيم الدولة الإسلامية - ولاية خراسان، مما يشكل تهديدًا للمنطقة بأسرها، بما في ذلك إيران. لذلك، فإن دافع طهران لاحتواء الأزمة ينبع من مصالح استراتيجية مباشرة تتعلق بأمنها واستقرار جوارها المباشر.
التوقعات المستقبلية
يبقى نجاح المبادرة الإيرانية مرهونًا بمدى استجابة كل من إسلام آباد وكابول. حتى الآن، لم تصدر ردود فعل رسمية واضحة من الطرفين تجاه العرض. سيتطلب التوصل إلى حل دائم معالجة جذرية للقضايا العالقة، وفي مقدمتها ملف مقاتلي حركة طالبان باكستان والتعاون الأمني على الحدود. وفي ظل غياب الثقة المتبادلة، قد يكون وجود طرف ثالث مثل إيران ضروريًا لبناء جسور الحوار وتقديم ضمانات قد تساهم في التوصل إلى تفاهمات مشتركة تمنع تكرار مثل هذه الأزمات في المستقبل.





