باكستان تتهم أفغانستان بالتقاعس عن مكافحة الإرهاب وتصاعد التوتر بين البلدين
في تصعيد جديد للتوتر الدبلوماسي بين البلدين الجارين، وجهت وزارة الخارجية الباكستانية اتهامات حادة للحكومة الأفغانية المؤقتة التي تقودها حركة طالبان، مؤكدة أنها فشلت في اتخاذ إجراءات حاسمة ضد الجماعات الإرهابية التي تستخدم الأراضي الأفغانية كمنطلق لشن هجمات داخل باكستان. وجاءت هذه التصريحات، التي صدرت خلال الأيام القليلة الماضية، لتعكس إحباط إسلام أباد المتزايد من عدم وفاء كابول بتعهداتها الأمنية، مما يهدد بزعزعة استقرار المنطقة بأكملها.

خلفية الأزمة المتجذرة
تمثل قضية الإرهاب العابر للحدود نقطة خلاف مركزية في العلاقات الباكستانية الأفغانية منذ عقود، لكنها اكتسبت زخمًا جديدًا بعد سيطرة حركة طالبان على السلطة في أفغانستان في أغسطس 2021. كانت باكستان تأمل في البداية أن تعمل الحكومة الجديدة على كبح جماح حركة طالبان باكستان (TTP)، وهي جماعة مسلحة منفصلة ولكنها متحالفة إيديولوجيًا مع طالبان الأفغانية، وتستهدف الدولة الباكستانية. إلا أن الواقع كان مغايرًا، حيث شهدت باكستان ارتفاعًا ملحوظًا في وتيرة الهجمات الإرهابية، لا سيما في مقاطعتي خيبر بختونخوا وبلوشستان المتاخمتين لأفغانستان.
تؤكد السلطات الباكستانية أنها قدمت مرارًا أدلة ومعلومات استخباراتية محددة لنظيرتها الأفغانية حول مواقع ومعسكرات تدريب وقادة حركة طالبان باكستان داخل أفغانستان، لكنها لم تلقَ استجابة عملية. وينظر المسؤولون في إسلام أباد إلى هذا التقاعس على أنه انتهاك صريح لالتزامات كابول بموجب اتفاق الدوحة، الذي تعهدت فيه طالبان بمنع استخدام الأراضي الأفغانية لتهديد أمن أي دولة أخرى.
مواقف متباينة وردود فعل رسمية
تتمسك باكستان بموقفها القائل بأن استقرارها الوطني يتعرض لتهديد مباشر بسبب الملاذات الآمنة التي يتمتع بها المسلحون في أفغانستان. وصرحت المتحدثة باسم الخارجية الباكستانية، ممتاز زهرة بلوش، في إحاطات إعلامية متكررة، بأن صبر باكستان بدأ ينفد، وأن "الوعود الجوفاء والتقاعس عن العمل" لم تعد مقبولة. وتحذر إسلام أباد من أن لها الحق في حماية أمنها القومي واتخاذ الإجراءات اللازمة للدفاع عن مواطنيها، في تلميح إلى إمكانية تنفيذ عمليات عسكرية عبر الحدود، وهو ما حدث في مناسبات سابقة وأثار غضب كابول.
في المقابل، ترفض حكومة طالبان الأفغانية هذه الاتهامات بشكل قاطع. ويؤكد المتحدث باسمها، ذبيح الله مجاهد، أن حكومته ملتزمة بمنع أي جهة من استخدام أراضيها ضد دول الجوار. وتلقي كابول باللوم على باكستان، معتبرة أن مشاكلها الأمنية هي شأن داخلي بحت، وتطالب بتقديم أدلة ملموسة بدلاً من توجيه اتهامات علنية عبر وسائل الإعلام. كما تدين كابول أي انتهاك لسيادتها، بما في ذلك الغارات الجوية أو العمليات العسكرية التي تنفذها باكستان من جانب واحد، معتبرة إياها تقويضًا للعلاقات الثنائية وجهود بناء الثقة.
التداعيات الإقليمية والأبعاد المستقبلية
إن هذا التوتر المتصاعد له تداعيات تتجاوز العلاقات الثنائية، حيث يؤثر سلبًا على التجارة وحركة الأفراد عبر المعابر الحدودية الحيوية مثل تورخام وشامان، مما يفاقم الصعوبات الاقتصادية لكلا البلدين. كما يعقّد إدارة قضية اللاجئين الأفغان في باكستان، والتي تستخدمها إسلام أباد أحيانًا كورقة ضغط سياسي.
على المستوى الإقليمي، يقوض الخلاف بين إسلام أباد وكابول الجهود الرامية إلى تحقيق استراتيجية أمنية منسقة لمكافحة الإرهاب والتطرف. فغياب التعاون الفعال يخلق فراغًا أمنيًا قد تستغله جماعات متطرفة أخرى، مما يهدد استقرار منطقة جنوب ووسط آسيا. ومع استمرار كل طرف في التمسك بموقفه، يبدو أن الأزمة مرشحة لمزيد من التصعيد، ما لم يتم التوصل إلى آلية تحقق وتعاون أمني مشتركة تحظى بثقة الطرفين وتفضي إلى إجراءات ملموسة على الأرض.





