محادثات السلام الأفغانية الباكستانية في إسطنبول تتعثر وسط تبادل للاتهامات
شهدت الجهود الدبلوماسية الرامية لتحقيق السلام والاستقرار في أفغانستان نكسة جديدة، حيث وصلت المباحثات التي كان من المزمع عقدها في إسطنبول بين الأطراف الأفغانية بدعم باكستاني إلى طريق مسدود. ويأتي هذا التعثر في سياق تاريخ طويل من انعدام الثقة والاتهامات المتبادلة بين كابول وإسلام آباد، حيث يتهم كل طرف الآخر بعدم التعاون وتقويض أمن المنطقة، مما يعكس عمق الأزمة التي تحول دون أي تقدم حقيقي.

خلفية من التوتر وانعدام الثقة
تمتد جذور الخلاف بين أفغانستان وباكستان إلى عقود مضت، وتتغذى على قضايا تاريخية وجيوسياسية معقدة. فمنذ تأسيس باكستان، كان الخلاف حول شرعية خط ديورند كحدود دولية مصدراً دائماً للتوتر. تفاقمت هذه العلاقة المضطربة خلال فترة الحرب السوفيتية في أفغانستان، حيث دعمت باكستان، بدعم غربي، فصائل المجاهدين الأفغان. وبعد ذلك، اتُهمت إسلام آباد بلعب دور محوري في صعود حركة طالبان إلى السلطة في منتصف التسعينيات وتوفير ملاذات آمنة لقياداتها بعد الغزو الأمريكي عام 2001. هذه الخلفية التاريخية أسست لحالة من الشك العميق الذي يخيم على العلاقات الثنائية ويجعل من أي مبادرة سلام أمراً بالغ الصعوبة.
مؤتمر إسطنبول: آمال لم تكتمل
في محاولة لكسر الجمود وتسريع وتيرة عملية السلام المتعثرة في الدوحة، تم التخطيط لعقد مؤتمر رفيع المستوى في إسطنبول في أبريل 2021 برعاية مشتركة من تركيا وقطر والأمم المتحدة. كان الهدف من المؤتمر هو جمع حكومة الجمهورية الأفغانية آنذاك وحركة طالبان على طاولة المفاوضات للتوصل إلى تسوية سياسية شاملة. إلا أن الآمال المعقودة على هذا المؤتمر تبددت سريعاً بعد إعلان حركة طالبان رفضها المشاركة، مشترطةً انسحاب جميع القوات الأجنبية من البلاد أولاً. شكل هذا الرفض ضربة قاصمة للجهود الدبلوماسية وأظهر مدى صعوبة تحقيق توافق بين الأطراف، كما كشف عن تغير موازين القوى على الأرض قبيل أشهر قليلة من سيطرة الحركة على كابول.
جوهر الاتهامات المتبادلة
يكمن السبب الرئيسي وراء فشل جهود التعاون في شبكة معقدة من الاتهامات المتبادلة التي تعكس المصالح الاستراتيجية المتضاربة لكل دولة. يمكن تلخيص هذه الاتهامات في النقاط التالية:
- من وجهة النظر الأفغانية: تتهم كابول، سواء في عهد الجمهورية السابقة أو تحت حكم طالبان الحالي، باكستان بلعب دور مزدوج. تشمل الاتهامات توفير دعم لوجستي واستراتيجي لحركة طالبان الأفغانية على مدى سنوات، واستخدام الجماعات المسلحة كأداة لتوسيع نفوذها الاستراتيجي في أفغانستان ومنع قيام حكومة قوية ومستقلة قد تكون صديقة لخصمها الإقليمي، الهند.
- من وجهة النظر الباكستانية: ترد إسلام آباد باتهام السلطات في أفغانستان بالفشل في كبح جماح الجماعات المسلحة التي تهدد أمنها القومي، وعلى رأسها حركة طالبان باكستان (TTP). تؤكد باكستان أن هذه الحركة تستخدم الأراضي الأفغانية كقاعدة لشن هجمات دامية داخل حدودها، وتتهم كابول إما بالتغاضي عن نشاطها أو عدم امتلاك القدرة على السيطرة عليها، وهو ما تعتبره إسلام آباد تهديداً مباشراً لسيادتها.
التداعيات والوضع الراهن
أدت عودة طالبان إلى السلطة في أغسطس 2021 إلى تعقيد المشهد بدلاً من تبسيطه. فبعد فترة وجيزة من التفاؤل الحذر في إسلام آباد، سرعان ما تدهورت العلاقات مجدداً. شهدت الحدود بين البلدين اشتباكات متكررة، كما تصاعدت وتيرة هجمات حركة طالبان باكستان بشكل كبير، مما دفع الجيش الباكستاني إلى تنفيذ ضربات جوية داخل الأراضي الأفغانية. ورداً على ذلك، قامت باكستان بترحيل مئات الآلاف من اللاجئين الأفغان غير المسجلين، في خطوة أثارت أزمة إنسانية وزادت من حدة التوتر. إن هذا الواقع يؤكد أن غياب التعاون الحقيقي لا يعرقل مسار السلام فحسب، بل يهدد بتوسيع دائرة عدم الاستقرار في منطقة حساسة بالفعل، مما يجعل مستقبل العلاقات بين البلدين مرهوناً بقدرتهما على تجاوز إرث انعدام الثقة والتعامل بجدية مع المخاوف الأمنية المشتركة.




