في تطورات لافتة خلال السنوات الأخيرة، تسعى إيران جاهدة لإعادة بناء وتعزيز قدراتها العسكرية بفضل دعم استراتيجي وتكنولوجي غير مسبوق من روسيا والصين. يأتي هذا التحول في خضم عزلة دولية مفروضة على طهران وعقوبات اقتصادية وعسكرية، مما يبرز أهمية هذا التعاون في تحدي الهيمنة الغربية وإعادة تشكيل موازين القوى الإقليمية والدولية.

لقد عانت إيران لعقود من قيود صارمة على قدرتها على تحديث ترسانتها العسكرية، خاصة فيما يتعلق بالتقنيات المتطورة والأنظمة الدفاعية الجوية المقاتلة. ورغم امتلاكها صناعة دفاعية محلية قوية تركز على الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة والقدرات البحرية، إلا أن الحاجة إلى تكنولوجيا متقدمة ظلت قائمة. ومع رفع حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة في أكتوبر 2020، فتحت آفاق جديدة للتعاون العسكري، خاصة مع حلفاء استراتيجيين مثل موسكو وبكين.
خلفية التحالف الاستراتيجي
يتجذر التقارب بين إيران وكل من روسيا والصين في مصالح جيوسياسية مشتركة، أبرزها تحدي النظام العالمي أحادي القطب الذي تقوده الولايات المتحدة. تسعى الدول الثلاث إلى بناء بديل متعدد الأقطاب، مما يجعل التعاون الأمني والدفاعي ركيزة أساسية في استراتيجياتها. بالنسبة لروسيا، تمثل إيران شريكًا مهمًا في الشرق الأوسط، خاصة في سياق المواجهة مع الغرب، بينما تعد الصين إيران جزءًا حيويًا من مبادرة الحزام والطريق، ومرساة لطموحاتها الاقتصادية والأمنية في المنطقة.
طبيعة التعاون العسكري
يشمل التعاون العسكري بين إيران وحليفيها مجموعة واسعة من المجالات، لا تقتصر على مجرد صفقات بيع الأسلحة، بل تتعداها إلى نقل التكنولوجيا وتبادل الخبرات والتدريب المشترك:
- مع روسيا: يشمل الدعم الروسي تزويد إيران بأنظمة دفاع جوي متطورة، مثل نظام S-300، مع تكهنات حول مفاوضات للحصول على أنظمة S-400 الأكثر تقدمًا. كما تشير تقارير إلى اهتمام إيران بطائرات مقاتلة روسية من طراز سو-35 لتعزيز قواتها الجوية المتقادمة. في المقابل، قدمت إيران طائرات مسيرة لروسيا، مما عمق التعاون الصناعي العسكري بينهما.
- مع الصين: يتركز التعاون الصيني الإيراني على الاستثمار طويل الأمد والتعاون التكنولوجي. وقعت الدولتان اتفاقية شراكة استراتيجية لمدة 25 عامًا تشمل التعاون في مجالات النفط والتجارة والدفاع. يشمل الدعم الصيني المحتمل نقل تكنولوجيا بحرية، وأنظمة طائرات مسيرة، وتقنيات صاروخية، بالإضافة إلى تبادل الخبرات في مجال الأمن السيبراني والحرب الإلكترونية. كما أجرت الدول الثلاث مناورات عسكرية بحرية مشتركة في الخليج العربي والمحيط الهندي، مما يؤكد عمق التنسيق العسكري.
لماذا هذا التطور «غير مسبوق»؟
يعد هذا التعاون غير مسبوق لعدة أسباب جوهرية:
- المدى والنطاق: لم يسبق أن شهدت إيران هذا المستوى من نقل التكنولوجيا والتنسيق الاستراتيجي مع قوتين عالميتين في آن واحد.
- التحدي للعقوبات: يمثل هذا الدعم تحديًا مباشرًا وفعالًا للجهود الغربية لعزل إيران عسكريًا، مما يسمح لها بالالتفاف على القيود المفروضة.
- التوقيت الحرج: يحدث هذا التعزيز في وقت تتصاعد فيه التوترات الإقليمية والدولية، مما يجعله أكثر تأثيرًا على ديناميكيات الأمن العالمي.
التداعيات الإقليمية والدولية
إن تعزيز القدرات العسكرية الإيرانية بدعم روسي وصيني يحمل تداعيات عميقة على الاستقرار الإقليمي والعالمي:
- تغير موازين القوى الإقليمية: يمكن أن يؤدي ذلك إلى زيادة ثقة إيران ونفوذها في الشرق الأوسط، مما يثير قلق دول الجوار مثل إسرائيل ودول الخليج العربي، وقد يدفعها إلى سباق تسلح.
- البرنامج النووي الإيراني: على الرغم من أن التعاون يركز على القدرات العسكرية التقليدية، إلا أن وجود رادع تقليدي أقوى قد يمنح إيران مزيدًا من المرونة في مفاوضاتها حول برنامجها النووي.
- الأمن البحري: ستكون القدرات البحرية المعززة لإيران ذات أهمية بالغة في مضيق هرمز والممرات الملاحية الحيوية الأخرى.
- ردود الفعل الغربية: من المتوقع أن تثير هذه التطورات قلقًا بالغًا لدى الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، مما قد يؤدي إلى فرض عقوبات إضافية أو تكثيف الجهود الدبلوماسية لاحتواء هذا المحور المتنامي.
في الختام، يمثل الدعم الروسي والصيني لتعزيز القدرات العسكرية الإيرانية نقطة تحول مفصلية في المشهد الجيوسياسي، مع تبعات بعيدة المدى على الأمن الإقليمي والدولي. تتابع عواصم العالم هذا التطور عن كثب، حيث تشير إلى تشكل محور استراتيجي جديد قد يعيد رسم خرائط النفوذ العالمية.




