إيران توضح: دعم اتفاق غزة لا يمثل تأييداً للسياسة الأمريكية
أكدت مصادر إيرانية رسمية أن دعم طهران لأي اتفاق يهدف إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة لا يجب أن يُفسر بأي حال من الأحوال على أنه موافقة على السياسات الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط. يعكس هذا الموقف، الذي يُعد ثابتًا في العقيدة السياسية الإيرانية، محاولة للفصل بين الأهداف التكتيكية، مثل حماية حلفائها الفلسطينيين وتخفيف المعاناة الإنسانية، وبين الإطار الاستراتيجي الأوسع الذي ترفضه طهران والمتمثل في الدور الدبلوماسي الذي تقوده الولايات المتحدة في المنطقة.
خلفية الموقف: دعم المقاومة ورفض الهيمنة
ترتكز السياسة الخارجية الإيرانية، منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية عام 1979، على ركيزتين أساسيتين فيما يتعلق بقضايا المنطقة: الدعم المطلق لما تسميه "محور المقاومة"، والرفض القاطع للنفوذ الأمريكي والغربي. يتجلى هذا الموقف في دعمها القوي لجماعات متعددة، بما في ذلك الفصائل الفلسطينية مثل حركتي حماس والجهاد الإسلامي، بالإضافة إلى حزب الله في لبنان. ولا يقتصر هذا الدعم على الجانب الأيديولوجي، بل يشمل مساعدات مالية وعسكرية ولوجستية.
بناءً على ذلك، تنظر طهران بعين الريبة إلى أي مبادرة دبلوماسية تقودها الولايات المتحدة، خاصة تلك المتعلقة بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني. فمن وجهة النظر الإيرانية، لا تمثل الولايات المتحدة وسيطًا نزيهًا، بل هي الحليف الاستراتيجي الرئيسي لإسرائيل، وتُعتبر الحلول التي تقترحها واشنطن مصممة لخدمة المصالح الإسرائيلية وتقويض حقوق الفلسطينيين وحركة المقاومة.
فك الارتباط بين الهدف والوسيلة
يسلط الموقف الإيراني الضوء على استراتيجية دبلوماسية دقيقة، وهي التمييز بين النتيجة المرجوة والعملية المتبعة لتحقيقها. ففي حين أن وقف إطلاق النار في غزة يتماشى مع الأهداف المباشرة لإيران — وأبرزها الحفاظ على قدرات حلفائها الفلسطينيين ووضع حد للأزمة الإنسانية — فإن القناة الدبلوماسية التي تقودها الولايات المتحدة تعتبرها طهران غير شرعية. من خلال دعم وقف القتال علنًا مع التنصل من المظلة السياسية الأمريكية التي يتم التفاوض تحتها، تحقق إيران عدة أهداف متزامنة:
- تعزيز التزامها بالقضية الفلسطينية في نظر حلفائها ومؤيديها في المنطقة.
- تجنب الظهور بمظهر المتعاون أو المُطبّع مع الولايات المتحدة، مما يحافظ على مصداقيتها كقوة مناهضة للهيمنة أمام جمهورها الداخلي والخارجي.
- إرسال رسالة لحلفائها مفادها أنه على الرغم من ضرورة بعض الاتفاقات التكتيكية، فإن الهدف الاستراتيجي طويل الأمد المتمثل في مواجهة النفوذ الأمريكي والإسرائيلي يظل ثابتًا.
السياق الإقليمي والدولي
يتأثر هذا الموقف أيضًا بالمشهد الجيوسياسي الأوسع، حيث تخوض إيران منافسة معقدة على النفوذ الإقليمي مع قوى أخرى. ويُعد موقفها الثابت من القضية الفلسطينية أداة رئيسية في سياستها الخارجية، ويميزها عن بعض الدول العربية التي طبعت علاقاتها مع إسرائيل، كما حدث في إطار "اتفاقيات أبراهام" التي تمت بوساطة إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
لذلك، فإن أي تقارب إيراني متصور مع سياسة أمريكية قد يُفسره الخصوم والحلفاء على حد سواء بأنه تراجع عن مبادئها الأساسية. ويهدف هذا التوضيح إلى استباق مثل هذه التفسيرات وإعادة تأكيد دور إيران كراعٍ لحركات المقاومة، بشكل مستقل عن الأطر الدبلوماسية التي تضعها واشنطن، وهو أمر حيوي للحفاظ على تماسك "محور المقاومة".
لماذا يهم هذا الموقف؟
يعد فهم هذا التمييز أمرًا جوهريًا لتحليل سلوك إيران على الساحة الدولية، فهو يكشف عن نهج يجمع بين البراغماتية التكتيكية والأساس الأيديولوجي الصلب. تستطيع طهران دعم التهدئة قصيرة المدى التي تفيد شركاءها دون المساس بمعارضتها الاستراتيجية طويلة الأمد للولايات المتحدة وإسرائيل. تتيح هذه المناورة الدقيقة لإيران التعامل مع الأزمات المعقدة، مثل الحروب في غزة، من خلال الموافقة الضمنية على إجراءات توقف القتال، مع استمرارها في معارضتها الصريحة والمادية للهياكل السياسية التي تسعى إلى تفكيكها. الرسالة واضحة: دعم السلام في غزة ضرورة تكتيكية، وليس تحولًا استراتيجيًا نحو قبول النظام الإقليمي الذي تقوده أمريكا.





