الآثار المترتبة على اختيار العريش مقرًا لإدارة غزة في خطة ترامب
تُعد خطة السلام التي اقترحتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، والمعروفة إعلاميًا بـ «صفقة القرن»، موضوعًا لعديد من التكهنات والتحليلات منذ الكشف عن ملامحها الأولية في أواخر عام 2019 وأوائل 2020. من بين البنود التي أثارت نقاشًا، برزت فكرة إقامة إدارة مؤقتة لقطاع غزة للإشراف على مرحلة ما بعد الصراع وإعادة الإعمار. وفي سياق هذه المقترحات، تداولت بعض التقارير والتحليلات فكرة اختيار مدينة العريش المصرية، الواقعة في شمال سيناء، كمقر محتمل لهذه الإدارة.

تستكشف هذه الرؤية الأبعاد المختلفة لمثل هذا الاختيار، سواء كانت سياسية أو جغرافية أو أمنية، في ضوء السياق الإقليمي المعقد والتحديات الراهنة التي يواجهها قطاع غزة والمنطقة.
خلفية خطة ترامب وإدارة غزة المقترحة
هدفت «صفقة القرن» المعلنة من قبل إدارة ترامب إلى تقديم رؤية شاملة للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، مع التركيز على الجوانب الاقتصادية وتقديم حلول للنزاع القائم. تضمنت الخطة بنودًا تتعلق بالحكم الذاتي الفلسطيني، والترتيبات الأمنية، والتنمية الاقتصادية. بالنسبة لقطاع غزة، كانت الرؤية تشمل ضرورة وجود كيان إداري مستقر وقادر على قيادة جهود إعادة الإعمار وإدارة المساعدات الدولية الضخمة المتوقعة بعد الدمار الهائل الذي لحق بالقطاع جراء الصراعات المتتالية.
كان الهدف من الإدارة المؤقتة المقترحة هو توفير بيئة مستقرة لتعافي القطاع بعيدًا عن سيطرة الفصائل المسلحة، مع التركيز على:
- إعادة الإعمار: الإشراف على المشاريع الضخمة لإعادة بناء البنية التحتية والمساكن.
 - المساعدات الإنسانية: تنسيق توزيع المساعدات وضمان وصولها للمحتاجين.
 - التنمية الاقتصادية: وضع أسس لإنعاش الاقتصاد وخلق فرص عمل.
 - الأمن والاستقرار: توفير بيئة آمنة تساهم في عودة الحياة الطبيعية للمواطنين.
 
لماذا العريش؟ الأبعاد الجغرافية واللوجستية
يقع اختيار العريش، عاصمة محافظة شمال سيناء المصرية، كمقر محتمل لإدارة غزة المؤقتة على عدة اعتبارات جغرافية ولوجستية:
- القرب الجغرافي: تبعد العريش مسافة قصيرة نسبيًا عن حدود قطاع غزة، مما يجعلها نقطة انطلاق مثالية للعمليات اللوجستية والإشراف المباشر.
 - البنية التحتية: تمتلك العريش ميناء بحريًا ومطارًا، وإن كانا بحاجة للتطوير، يمكن أن يسهلا وصول المساعدات والموارد اللازمة لعمليات الإعمار.
 - القدرة الاستيعابية: يمكن للمدينة أن توفر مساحات ومرافق لإيواء الموظفين الدوليين والمحليين، بالإضافة إلى مقرات الإدارة.
 - الدور المصري: يُنظر إلى مصر كلاعب إقليمي محوري ووسيط رئيسي في النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، وقد يُسند إليها دور محوري في دعم أو استضافة هذه الإدارة.
 
الأبعاد السياسية المحتملة
ينطوي اختيار العريش على أبعاد سياسية عميقة ومعقدة تؤثر على الأطراف كافة:
- بالنسبة لمصر: يعني استضافة مقر الإدارة زيادة في الدور الإقليمي والنفوذ، ولكنه يضع على عاتقها مسؤولية أمنية واقتصادية كبيرة. قد ينظر البعض إليه كتدخل في الشأن الفلسطيني، بينما قد يراه آخرون ضرورة استراتيجية للحفاظ على استقرار حدودها الشرقية.
 - بالنسبة للفلسطينيين: من المرجح أن يثير هذا الاقتراح جدلاً واسعًا ورفضًا من قبل الفصائل الفلسطينية والسلطة الوطنية، الذين يرون أن إدارة غزة شأن فلسطيني داخلي. قد يفسرون هذا الاختيار على أنه محاولة لتهميش السيادة الفلسطينية وتقويض حقهم في تقرير المصير.
 - بالنسبة لإسرائيل: قد يمثل هذا الاختيار تخفيفًا للعبء الإداري والأمني المباشر عن كاهلها، وربما يوفر منطقة عازلة غير عسكرية. ومع ذلك، قد تظل هناك مخاوف أمنية من انتقال أي تهديدات محتملة عبر الحدود المصرية.
 - بالنسبة للمجتمع الدولي: يمكن أن يرى بعض الفاعلين الدوليين في هذا المقترح حلاً عمليًا لضمان وصول المساعدات والإشراف على الإعمار بعيدًا عن تعقيدات الصراع، بينما قد يرى آخرون فيه تجاوزًا للحقوق السياسية الفلسطينية.
 
التحديات الأمنية والاقتصادية
لا يخلو هذا المقترح من تحديات أمنية واقتصادية جسيمة:
- الوضع الأمني في سيناء: شهدت شمال سيناء تحديات أمنية كبيرة في السنوات الماضية، مما يثير تساؤلات حول قدرة المنطقة على استيعاب مقر إداري بهذا الحجم وضمان سلامة العاملين فيه.
 - الموافقات والشرعية: يتطلب نجاح أي إدارة مؤقتة قبولًا واسعًا من الأطراف الفلسطينية والدولية. دون هذا القبول، ستواجه الإدارة صعوبات جمة في تنفيذ مهامها.
 - التمويل والدعم اللوجستي: تحتاج عمليات الإعمار والإدارة المؤقتة إلى تمويل دولي ضخم ودعم لوجستي مستمر، مما يتطلب إجماعًا دوليًا والتزامًا طويل الأمد.
 - مخاطر التوطين: قد تثار مخاوف من قبل الفلسطينيين بشأن مخططات تهدف إلى توطين اللاجئين أو تقويض حق العودة، وهو ما ترفضه مصر أيضًا بشكل قاطع.
 
خاتمة
في الختام، يمثل اختيار العريش كمقر محتمل لإدارة غزة المؤقتة ضمن خطة ترامب فكرة ذات أبعاد متعددة ومعقدة. ورغم أن الخطة نفسها لم تتحقق في صيغتها الأصلية وتعرضت لرفض فلسطيني وعربي واسع، إلا أن مناقشة مثل هذه المقترحات تسلط الضوء على التفكير في بدائل وحلول للوضع الإنساني والسياسي في غزة. إن نجاح أي مبادرة مستقبلية لإدارة القطاع وإعادة إعماره سيتوقف بشكل حاسم على قدرتها على كسب الشرعية والدعم من جميع الأطراف المعنية، والأهم من ذلك، ضمان حقوق الشعب الفلسطيني وتقرير مصيره.




