الأونروا تؤكد استمرار عملياتها الإنسانية في غزة رغم التحديات المتزايدة
أعلنت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) عن إصرارها على مواصلة عملياتها الإنسانية في قطاع غزة، مؤكدةً أنها تمثل شريان الحياة الأساسي لأكثر من مليوني شخص يواجهون ظروفاً كارثية. يأتي هذا التأكيد في وقت تواجه فيه الوكالة ضغوطاً سياسية ومالية غير مسبوقة، إلى جانب تحديات أمنية ولوجستية هائلة على الأرض تعيق قدرتها على تلبية الاحتياجات المتصاعدة للسكان.

خلفية الأزمة الحالية
تصاعدت الأزمة التي تواجهها الأونروا بشكل حاد في يناير 2024، بعد أن وجهت إسرائيل اتهامات لعدد من موظفي الوكالة بالمشاركة المزعومة في هجمات السابع من أكتوبر. على إثر هذه الادعاءات، قامت أكثر من 16 دولة مانحة، في مقدمتها الولايات المتحدة وألمانيا، بتعليق تمويلها للوكالة، مما تسبب في فجوة تمويلية هددت بانهيار عملياتها بالكامل. ورداً على ذلك، أنهت الأونروا عقود الموظفين المتهمين وبدأت الأمم المتحدة تحقيقاً داخلياً، بالإضافة إلى تشكيل لجنة مراجعة مستقلة بقيادة وزيرة الخارجية الفرنسية السابقة، كاثرين كولونا، لتقييم آليات الحياد داخل الوكالة.
التحديات التشغيلية على الأرض
تعمل الأونروا في بيئة هي الأكثر تعقيداً وخطورة في تاريخها. وقد أدت العمليات العسكرية الإسرائيلية المستمرة إلى تفاقم الصعوبات التي تواجه فرقها الميدانية، والتي تشمل:
- المخاطر الأمنية: تعرضت منشآت الأونروا، بما في ذلك المدارس التي تؤوي مئات الآلاف من النازحين، لضربات متكررة. كما سجلت الوكالة مقتل أكثر من 190 من موظفيها منذ بدء النزاع، وهو أكبر عدد من الخسائر في صفوف عمال الإغاثة في تاريخ الأمم المتحدة.
- قيود الوصول: تواجه قوافل المساعدات صعوبات بالغة في الوصول إلى جميع أنحاء القطاع، خاصة في المناطق الشمالية التي تلوح فيها أزمة مجاعة. وتشير تقارير الوكالة إلى أن السلطات الإسرائيلية ترفض بشكل متكرر منح التصاريح اللازمة لمرور شاحنات المساعدات، مما يعرقل توزيع الغذاء والدواء والوقود.
- الأزمة المالية: على الرغم من استئناف بعض الدول تمويلها، لا تزال الوكالة تعاني من نقص حاد في الموارد. هذا النقص يؤثر بشكل مباشر على قدرتها على شراء الإمدادات الأساسية ودفع رواتب موظفيها، الذين يشكلون العمود الفقري للاستجابة الإنسانية في غزة.
- حجم الاحتياجات الهائل: مع نزوح ما يقارب 1.7 مليون شخص، أصبحت مراكز الإيواء التابعة للأونروا مكتظة بشكل يفوق طاقتها الاستيعابية، مما أدى إلى تدهور الظروف الصحية وانتشار الأمراض المعدية.
التطورات الأخيرة ومواقف المانحين
في الشهور الأخيرة، شهد موقف بعض الدول المانحة تحولاً ملحوظاً. فبعد مراجعة الإجراءات الداخلية للوكالة وصدور تقرير لجنة المراجعة المستقلة، أعلنت دول مثل كندا، وأستراليا، والسويد، وألمانيا، واليابان، والاتحاد الأوروبي عن استئناف تمويلها. وأشار تقرير كولونا إلى أن الأونروا تمتلك آليات قوية لضمان الحياد، مع تقديم توصيات لتعزيزها، لكنه ذكر أيضاً أن إسرائيل لم تقدم بعد أدلة ملموسة لدعم اتهاماتها الأوسع ضد الوكالة. في المقابل، أبقت الولايات المتحدة على قرار تجميد التمويل، حيث أقر الكونغرس تشريعاً يحظر تمويل الوكالة حتى مارس 2025 على الأقل.
الأهمية الحيوية لدور الأونروا
يؤكد مسؤولو الأمم المتحدة، بمن فيهم المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني، أنه لا توجد منظمة أخرى قادرة على الحلول مكان الوكالة في غزة. فالأونروا تمتلك البنية التحتية الأكبر وشبكة التوزيع الأوسع وعقوداً من الخبرة في تقديم الخدمات الأساسية للاجئين الفلسطينيين. ويشمل دورها إدارة المدارس والمراكز الصحية وتوزيع المساعدات الغذائية، وهي مهام أصبحت أكثر أهمية من أي وقت مضى في ظل انهيار القطاعين العام والخاص في غزة. إن أي انهيار للوكالة لن يؤدي فقط إلى تفاقم الكارثة الإنسانية، بل سيهدد أيضاً الاستقرار في المنطقة بأكملها.





