الأونروا تؤكد على دورها الحيوي في غزة وتحذر من غياب البديل
أكدت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) مرارًا خلال الأسابيع الأخيرة على أنه لا توجد منظمة أخرى قادرة على أن تحل محلها في تقديم المساعدات الحيوية والخدمات الأساسية لسكان قطاع غزة. يأتي هذا التأكيد في وقت حرج تواجه فيه الوكالة أكبر أزمة في تاريخها، بعد مزاعم إسرائيلية بضلوع عدد من موظفيها في هجمات السابع من أكتوبر، وما تلاها من تعليق عدد من الدول المانحة تمويلها للوكالة، مما يهدد بتوقف عملياتها الإنسانية بالكامل في ظل كارثة إنسانية متفاقمة في القطاع.
الخلفية والأزمة الحالية
تأسست الأونروا عام 1949 بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتعتبر منذ ذلك الحين العمود الفقري لتقديم الخدمات لملايين اللاجئين الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية والأردن ولبنان وسوريا. وفي قطاع غزة على وجه الخصوص، تدير الوكالة بنية تحتية واسعة تشمل مئات المدارس والمراكز الصحية وشبكات توزيع الغذاء، ويعمل بها أكثر من 13,000 موظف، معظمهم من اللاجئين أنفسهم، مما يجعلها أكبر جهة إنسانية ومانحة للوظائف في القطاع.
تصاعدت الأزمة بشكل حاد في أواخر يناير 2024، عندما قدمت السلطات الإسرائيلية معلومات تفيد بتورط 12 موظفًا من الأونروا في هجمات حماس. على إثر هذه الادعاءات، سارعت الوكالة إلى إنهاء عقود الموظفين المتهمين وفتح تحقيق فوري. ومع ذلك، أعلنت أكثر من 15 دولة، في مقدمتها الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا، عن تعليق تمويلها للوكالة، وهو ما يمثل خسارة تقدر بأكثر من 440 مليون دولار، أي ما يعادل نصف ميزانيتها السنوية تقريبًا.
موقف الأونروا وتداعيات وقف التمويل
حذّر المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، من أن قرار تجميد الأموال يهدد بانهيار المنظومة الإنسانية في غزة، حيث يعتمد أكثر من مليوني شخص، أي غالبية سكان القطاع، على مساعدات الوكالة للبقاء على قيد الحياة. وشدد لازاريني على أن أي فراغ قد تتركه الأونروا لا يمكن لأي جهة أخرى أن تملأه في المدى القصير، نظرًا لحجم عملياتها وخبرتها الممتدة لعقود، والبنية التحتية التي تمتلكها على الأرض، والتي تعتمد عليها منظمات أممية أخرى لتوزيع مساعداتها.
وتتمثل الأهمية المحورية للوكالة في النقاط التالية:
- النطاق والوصول: تدير الأونروا أكبر شبكة توزيع مساعدات في غزة، وتصل إلى مئات الآلاف من النازحين في الملاجئ التي تديرها.
- البنية التحتية: تمتلك الوكالة المخازن والمركبات والموظفين المدربين اللازمين لتنفيذ عمليات لوجستية معقدة في بيئة حرب.
- الخدمات الأساسية: قبل الحرب، كانت الوكالة تقدم التعليم لأكثر من 300 ألف طفل والرعاية الصحية الأولية لمئات الآلاف في غزة.
إن استمرار تعليق التمويل يعني أن الوكالة قد تضطر إلى وقف خدماتها بالكامل، مما يفاقم خطر المجاعة وانتشار الأوبئة بين السكان الذين يعانون بالفعل من نقص حاد في الغذاء والماء والدواء والمأوى.
ردود الفعل الدولية والتحقيقات
دعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الدول المانحة إلى إعادة النظر في قراراتها، مؤكدًا أن معاقبة الأونروا بشكل جماعي بسبب الادعاءات الموجهة ضد عدد قليل من الأفراد سيكون له عواقب كارثية على السكان المدنيين. وفي استجابة للأزمة، أطلقت الأمم المتحدة تحقيقين متوازيين: الأول يجريه مكتب خدمات الرقابة الداخلية للتحقيق في الادعاءات المحددة، والثاني عبارة عن مراجعة مستقلة بقيادة وزيرة الخارجية الفرنسية السابقة كاترين كولونا لتقييم مدى التزام الوكالة بمبادئ الحياد.
وفي تطور لاحق، أعلنت عدة دول، من بينها كندا وأستراليا والسويد وإسبانيا، بالإضافة إلى المفوضية الأوروبية، عن استئناف تمويلها أو صرف دفعات جديدة، مشيرة إلى الحاجة الإنسانية الماسة والإجراءات السريعة التي اتخذتها الأمم المتحدة لمعالجة المخاوف.
الأهمية الاستراتيجية للوكالة
يتجاوز دور الأونروا مجرد تقديم المساعدات الطارئة؛ فهي تمثل عنصر استقرار في منطقة مضطربة من خلال توفير التعليم والرعاية الصحية لمجتمعات اللاجئين. يرى محللون أن انهيار الوكالة لن يؤدي إلى فراغ إنساني فحسب، بل قد تكون له تداعيات سياسية وأمنية خطيرة على المدى الطويل، ليس فقط في الأراضي الفلسطينية بل في دول الجوار التي تستضيف أعدادًا كبيرة من اللاجئين. وفي ظل الظروف الحالية، تظل الأونروا المنظمة الوحيدة التي تمتلك القدرة والخبرة والبنية التحتية اللازمة للاستجابة للأزمة الإنسانية غير المسبوقة في قطاع غزة.





