الأونروا تحذر من أزمة تمويل غير مسبوقة تهدد عملياتها في غزة ودورها المستقبلي
تواجه وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) واحدة من أخطر الأزمات في تاريخها، حيث يهدد نقص حاد في التمويل قدرتها على مواصلة عملياتها الإنسانية الحيوية في قطاع غزة ومناطق أخرى. جاءت هذه الأزمة في أعقاب اتهامات إسرائيلية لموظفين في الوكالة، مما دفع كبار المانحين إلى تعليق مساعداتهم بشكل مفاجئ، في وقت وصلت فيه الاحتياجات الإنسانية في غزة إلى مستويات كارثية.

خلفية الأزمة ودور الوكالة المحوري
تأسست الأونروا عام 1949 بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتُعد العمود الفقري لتقديم الخدمات الأساسية لملايين اللاجئين الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية والأردن ولبنان وسوريا. وتشمل خدماتها مجالات حيوية كالتعليم والرعاية الصحية والإغاثة والخدمات الاجتماعية، مما يجعلها أكبر جهة أممية فاعلة على الأرض في قطاع غزة، حيث يعتمد عليها أكثر من مليوني شخص بشكل مباشر.
اتهامات إسرائيل وتداعيات تجميد التمويل
شهدت الأزمة نقطة تحول حرجة في أواخر يناير 2024، عندما قدمت إسرائيل مزاعم تفيد بتورط نحو 12 موظفًا من موظفي الأونروا في هجمات 7 أكتوبر. على إثر هذه الادعاءات، سارعت أكثر من 16 دولة مانحة، في مقدمتها الولايات المتحدة وألمانيا والمملكة المتحدة، إلى تعليق تمويلها للوكالة، مما أدى إلى تجميد مساعدات تقدر قيمتها بأكثر من 450 مليون دولار، وهو ما يمثل جزءًا كبيرًا من ميزانية الوكالة التشغيلية.
من جانبه، تحرك المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، بشكل فوري، حيث أنهى عقود الموظفين المتهمين وأطلق تحقيقين متوازيين: تحقيق داخلي يجريه مكتب خدمات الرقابة الداخلية التابع للأمم المتحدة، ومراجعة خارجية مستقلة لتقييم مدى حيادية الوكالة، ترأستها وزيرة الخارجية الفرنسية السابقة كاترين كولونا.
الوضع الإنساني وتطورات الموقف الدولي
ألقى قرار تجميد التمويل بظلاله القاتمة على الوضع الإنساني المتردي أصلًا في غزة، حيث حذر لازاريني من أن عمليات الوكالة قد تتوقف بالكامل بحلول نهاية فبراير أو مارس 2024 إذا لم يتم استئناف الدعم. هذا التهديد جاء في وقت تتصاعد فيه احتياجات السكان من غذاء ومأوى ورعاية طبية بشكل غير مسبوق نتيجة للحرب الدائرة.
لاحقًا، ومع اتضاح الإجراءات التي اتخذتها الأونروا، واستنادًا إلى التقييمات الأولية والوضع الإنساني المتفاقم، أعلنت عدة دول مراجعة مواقفها. فقد قررت دول مثل كندا وأستراليا والسويد، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي، استئناف تمويلها للوكالة. كما خلص تقرير لجنة المراجعة المستقلة برئاسة كولونا، الذي صدر في أبريل 2024، إلى أن الأونروا تمتلك آليات قوية لضمان الحياد، مع تقديم توصيات لتعزيزها، وأشار إلى أن إسرائيل لم تقدم بعد أدلة تدعم اتهاماتها الأوسع.
الدور المستقبلي للأونروا في ظل التحديات
على الرغم من استئناف بعض الدول تمويلها، لا تزال الأونروا تواجه وضعًا ماليًا حرجًا يهدد استدامة خدماتها على المدى الطويل. ويؤكد مسؤولو الأمم المتحدة باستمرار أنه لا توجد منظمة أخرى على الأرض تمتلك البنية التحتية والقدرة اللوجستية والخبرة اللازمة لتولي دور الأونروا في توزيع المساعدات وتقديم الخدمات في غزة. وتبقى الوكالة جزءًا لا غنى عنه من الاستجابة الإنسانية، وتواصل مناشدة المجتمع الدولي لضمان توفير الدعم المالي المستدام الذي يمكنها من أداء ولايتها المنقذة للحياة في ظل الظروف الراهنة.





