التعاون الاستخباري بين الإمارات وإسرائيل: شراكة تتجاوز التطبيع
منذ توقيع دولة الإمارات العربية المتحدة اتفاقيات إبراهيم مع إسرائيل في سبتمبر 2020، تحوّلت طبيعة العلاقة بين الطرفين إلى ما هو أبعد من مجرد التطبيع الدبلوماسي والاقتصادي المعلن. لقد شهدت هذه الشراكة تطورًا ملحوظًا لتشمل أبعادًا أمنية واستخباراتية متقدمة، وهو ما يعكس تحولًا استراتيجيًا في الديناميكيات الإقليمية. هذه الشراكة العميقة، التي غالبًا ما تتم بعيدًا عن الأضواء، تهدف إلى معالجة تحديات أمنية مشتركة وتداعياتها على مناطق حسّاسة في الشرق الأوسط.

الخلفية وتطور العلاقات
كانت اتفاقيات إبراهيم، التي توسطت فيها الولايات المتحدة، بمثابة نقطة تحول تاريخية، حيث أدت إلى تطبيع العلاقات بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، بما في ذلك الإمارات والبحرين. في البداية، ركز الخطاب الرسمي على الفرص الاقتصادية والدبلوماسية والثقافية التي ستوفرها هذه الاتفاقيات. ومع ذلك، لم يمر وقت طويل حتى بدأت التقارير تشير إلى أن الروابط الأمنية كانت جزءًا لا يتجزأ من الأساس الذي بنيت عليه هذه العلاقات الجديدة، وربما كانت دافعًا رئيسيًا لها. تعكس هذه الخطوة تلاقي المصالح الاستراتيجية بين الإمارات وإسرائيل، خاصة فيما يتعلق بالتعامل مع التهديدات الإقليمية المشتركة، وفي مقدمتها ملف إيران وأذرعها في المنطقة.
لقد سارعت الدولتان إلى بناء جسور من التعاون في مجالات متعددة، حيث تجاوزت اللقاءات الرسمية المعلنة إلى آليات تنسيق أكثر حساسية. تشير التحليلات إلى أن هذا التطور لم يكن مجرد نتيجة جانبية للتطبيع، بل كان جزءًا من رؤية أوسع لكلا الطرفين لتعزيز قدراتهما الأمنية والاستخباراتية في منطقة تتسم بالتقلبات والتحالفات المعقدة. على الرغم من أن تفاصيل هذا التعاون تبقى محاطة بالسرية، إلا أن المؤشرات العامة والتقارير الاستخباراتية المفتوحة ترسم صورة لشراكة استراتيجية عميقة.
أبعاد الشراكة الأمنية والاستخباراتية
تتضمن الشراكة الأمنية والاستخباراتية بين الإمارات وإسرائيل عدة أوجه، مصممة لمواجهة طيف واسع من التحديات. يمكن تلخيص الأبعاد الرئيسية لهذا التعاون في النقاط التالية:
- تبادل المعلومات الاستخباراتية: يُعد هذا الجانب حجر الزاوية في أي شراكة أمنية. يشمل تبادل المعلومات حول الحركات المتطرفة، الجماعات الإرهابية، التهديدات العابرة للحدود، ونشاطات الدول التي تُعتبر خصمًا مشتركًا. يُعتقد أن التنسيق يتم على مستويات رفيعة لضمان فعالية تدفق المعلومات وتحليلها.
- مكافحة الإرهاب والتطرف: تتشارك الدولتان في الاهتمام بمكافحة الجماعات الإرهابية في المنطقة، سواء كانت تنظيمات إسلامية متطرفة أو ميليشيات مدعومة من قوى إقليمية. يهدف التعاون إلى تعطيل شبكات التمويل، تبادل الخبرات في مجال مكافحة الفكر المتطرف، وتنسيق الجهود العملياتية حيثما يكون ذلك ممكنًا.
- الأمن السيبراني: يُشكل الفضاء السيبراني جبهة جديدة للتهديدات، ويُعد التعاون في هذا المجال أمرًا حيويًا. يشمل ذلك تبادل الخبرات في حماية البنى التحتية الحيوية من الهجمات السيبرانية، تطوير قدرات دفاعية وهجومية مشتركة، ومكافحة الجرائم السيبرانية. يُعتقد أن الإمارات تستفيد من خبرة إسرائيل المتقدمة في هذا المجال.
- التعاون في التكنولوجيا الدفاعية والمراقبة: هناك مؤشرات على اهتمام الإمارات بتقنيات إسرائيل المتقدمة في مجالات المراقبة، والاستخبارات التقنية، وأنظمة الدفاع الجوي، والطائرات المسيرة. يمكن أن يشمل التعاون صفقات أسلحة، تدريب، وتطوير مشترك لتقنيات معينة تُعزز القدرات الدفاعية لكلا البلدين.
تُعد هذه الأبعاد مجتمعة أساسًا لشراكة أمنية قوية تتجاوز العلاقات الدبلوماسية التقليدية، وتُرسخ تحالفًا استراتيجيًا يهدف إلى تحقيق الاستقرار والأمن المشترك في منطقة مضطربة.
الأهمية الاستراتيجية والتأثير الإقليمي
تكتسب هذه الشراكة الاستخباراتية والأمنية أهمية بالغة نظرًا لتأثيرها المحتمل على المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط. فبالنسبة للإمارات، يمثل هذا التعاون فرصة لتعزيز قدراتها الدفاعية والاستخباراتية، والاستفادة من خبرات إسرائيل التي تُعد رائدة في هذه المجالات، لمواجهة التهديدات الإقليمية. أما بالنسبة لإسرائيل، فهو يُعد تكريسًا لمسار التطبيع وتوسيعًا لدائرة الشركاء الأمنيين في المنطقة، مما يُسهم في تعزيز موقعها الاستراتيجي في مواجهة التحديات.
في الآونة الأخيرة، ومع تصاعد التوترات في مناطق مثل البحر الأحمر والخليج العربي، أصبحت الحاجة إلى تنسيق أمني واستخباراتي أكثر إلحاحًا. تشير التطورات الجارية إلى أن هذه الشراكة ليست مجرد رد فعل على تهديدات لحظية، بل هي جزء من استراتيجية طويلة الأمد لإعادة تشكيل ميزان القوى وتأمين المصالح الحيوية للطرفين. كما أن هذا التحالف قد يؤثر على ديناميكيات الصراعات الإقليمية، خاصة فيما يتعلق بملف الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، حيث تُصبح العلاقات الأمنية بين إسرائيل ودول عربية معينة عاملاً جديدًا في الحسابات السياسية.
إن استمرار وتعميق هذا التعاون يبعث برسائل واضحة للجهات الفاعلة الإقليمية والدولية حول طبيعة التحالفات الجديدة في المنطقة، ويُبرز تحولًا في الأولويات الاستراتيجية للدول المشاركة، مع التركيز المتزايد على الأمن المشترك والاستقرار الإقليمي كأهداف عليا.





