التفاعل الجسدي بين ترامب وماكرون: ما وراء المصافحات الشهيرة
شكلت سلسلة اللقاءات بين الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال فترة الرئاسة الأمريكية بين عامي 2017 و2021 مادة دسمة للتحليل السياسي والإعلامي، ليس فقط بسبب القضايا التي نوقشت، بل للطريقة غير التقليدية التي تفاعل بها الزعيمان جسديًا، وتحديدًا من خلال مصافحاتهما المطولة والقوية التي أصبحت سمة مميزة لعلاقتهما الدبلوماسية المعقدة.

خلفية اللقاءات الأولى ولغة الجسد
بدأت هذه الظاهرة بشكل واضح خلال أول لقاء جمع بينهما على هامش قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في بروكسل في مايو 2017. في ذلك اللقاء، تبادل الزعيمان مصافحة وصفت بالقوية والمطولة، حيث بدا كل منهما يضغط بقوة على يد الآخر، حتى ابيضت مفاصل أصابعهما. فُسرت هذه المصافحة على نطاق واسع بأنها اختبار قوة مبكر، خاصة من جانب ترامب الذي كان معروفًا باستخدامه للمصافحة كوسيلة لفرض الهيمنة. لاحقًا، اعترف ماكرون في تصريحات صحفية بأن المصافحة لم تكن بريئة، بل كانت "لحظة حقيقة" تهدف إلى إظهار أنه لن يقدم تنازلات رمزية وأنه مستعد للوقوف بندية.
تطور العلاقة والمواجهات الرمزية
لم تكن مصافحة بروكسل حدثًا معزولاً، بل كانت بداية لسلسلة من التفاعلات المماثلة التي تطورت مع مرور الوقت. خلال زيارة ترامب إلى باريس للاحتفال بيوم الباستيل في يوليو 2017، تكررت المصافحة الطويلة التي استمرت لما يقرب من 30 ثانية، ولكنها بدت أكثر ودية في بعض جوانبها، مما أوحى ببداية علاقة شخصية معقدة بينهما. ومع ذلك، بلغ هذا التفاعل ذروته خلال زيارة الدولة التي قام بها ماكرون إلى واشنطن في أبريل 2018. خلال هذه الزيارة، لم يقتصر الأمر على المصافحات القوية فحسب، بل شمل أيضًا لفتات أخرى أثارت الجدل، مثل قيام ترامب بإزالة ما وصفه بـ "قشرة الرأس" عن كتف ماكرون أمام الكاميرات، وهي حركة اعتبرها الكثير من المحللين محاولة للتقليل من مكانة الرئيس الفرنسي وإظهاره بمظهر تابع.
تحليلات وتفسيرات دبلوماسية
حلل خبراء لغة الجسد والمحللون السياسيون هذه التفاعلات من زوايا متعددة، وكانت هناك عدة تفسيرات سائدة لما حدث بين الرجلين:
- استعراض القوة: كان يُنظر إلى أسلوب ترامب على أنه امتداد لشخصيته كرجل أعمال وسياسي يسعى دائمًا لإظهار أنه الطرف المهيمن في أي تفاعل. كانت مصافحاته القوية والجذب المتكرر لليد تهدف إلى إرباك الطرف الآخر ووضعه في موقف دفاعي.
- الرد الاستراتيجي لماكرون: أظهر ماكرون منذ البداية أنه يدرك أسلوب ترامب وقرر مواجهته بدلاً من الخضوع له. كان رده بالمثل يهدف إلى إرسال رسالة مفادها أن فرنسا وأوروبا شريكان متساويان للولايات المتحدة ولن يتم تهميشهما.
- واجهة لعلاقة معقدة: على الرغم من المظاهر الودية أحيانًا، والتي وصفها البعض بـ "البرومانسية" (bromance)، كانت العلاقة بين ترامب وماكرون متوترة بسبب خلافات جوهرية حول قضايا كبرى مثل اتفاق باريس للمناخ، والاتفاق النووي الإيراني، والسياسات التجارية. كانت لغة الجسد بمثابة انعكاس بصري لهذه العلاقة المتقلبة التي جمعت بين محاولات بناء جسور شخصية وخلافات سياسية عميقة.
الأهمية والتأثير الأوسع
تجاوزت أهمية هذه المصافحات كونها مجرد لقطات إعلامية طريفة، فقد أصبحت رمزًا لعصر جديد في الدبلوماسية الدولية اتسم بأسلوب أكثر شخصانية ومواجهة. لقد عكست هذه المشاهد التحديات التي واجهتها العلاقات عبر الأطلسي خلال إدارة ترامب، والجهود التي بذلها القادة الأوروبيون، وعلى رأسهم ماكرون، للتأقلم مع رئيس أمريكي غير تقليدي. في النهاية، قدمت هذه التفاعلات الجسدية لمحة نادرة وغير مكتوبة عن الديناميكيات الشخصية بين قائدين عالميين، وأظهرت كيف يمكن للغة الجسد أن تلعب دورًا محوريًا في إيصال الرسائل السياسية على الساحة الدولية.




