التناقض في مواقف ترامب تجاه حماس: من التهديد بنزع السلاح إلى التفويض المشروط
اتسمت سياسة إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب (2017-2021) تجاه حركة حماس بازدواجية لافتة، حيث تراوحت بين تبني خطاب متشدد يدعو إلى نزع سلاح الحركة وعزلها بالكامل، وبين إشارات ضمنية لإمكانية منحها دوراً في إدارة قطاع غزة وفق شروط محددة. هذا التباين عكس الطبيعة غير التقليدية لدبلوماسية ترامب، التي كانت تمزج بين الضغط الأقصى والمقترحات البراغماتية، مما أثار جدلاً واسعاً حول الأهداف الحقيقية للسياسة الأمريكية في تلك الفترة.

نهج متشدد وسياسة الضغط الأقصى
منذ بداية ولايته، تبنت إدارة ترامب موقفاً متصلباً تجاه القضية الفلسطينية بشكل عام، وحركة حماس بشكل خاص، حيث اعتبرتها عقبة رئيسية أمام تحقيق السلام. تجلى هذا النهج في سلسلة من القرارات والإجراءات التي هدفت إلى إضعاف الحركة وتقويض نفوذها. كان أبرز هذه الإجراءات هو الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها في مايو 2018، وهو قرار أدى إلى قطيعة شبه كاملة مع القيادة الفلسطينية.
بالتوازي مع ذلك، عملت الإدارة الأمريكية على تجفيف المصادر المالية للسلطة الفلسطينية وحركة حماس، عبر قطع مئات الملايين من الدولارات من المساعدات، بما في ذلك تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا). تم تبرير هذه الخطوات بأنها وسيلة للضغط على الفلسطينيين للعودة إلى طاولة المفاوضات وقبول الشروط الأمريكية والإسرائيلية للسلام. كما استمرت الولايات المتحدة في تصنيف حماس كمنظمة إرهابية، وشددت على ضرورة نزع سلاحها كشرط أساسي لأي تسوية سياسية مستقبلية.
وقد انعكس هذا الموقف في الخطاب الرسمي لمسؤولي الإدارة، الذين وصفوا الحركة مراراً بأنها "مجموعة إرهابية وحشية". وعلى الرغم من أن التهديدات الأكثر حدة، مثل فتح "أبواب الجحيم"، صدرت بشكل مباشر عن مسؤولين إسرائيليين، إلا أنها حظيت بدعم سياسي أمريكي كامل في إطار حق إسرائيل في الدفاع عن النفس.
مؤشرات على تفويض مشروط ومقاربة براغماتية
في المقابل، وبعيداً عن الخطاب الرسمي، ظهرت مؤشرات على وجود تفكير مختلف داخل دوائر الإدارة الأمريكية، يميل نحو مقاربة أكثر براغماتية. هذه المقاربة لم تكن تعني الاعتراف بحماس، بل كانت تنطلق من واقع أن الحركة هي السلطة الفعلية في قطاع غزة، وأنه لا يمكن تحقيق استقرار طويل الأمد في القطاع دون التعامل مع هذا الواقع بشكل أو بآخر.
برز هذا التوجه بشكل غير مباشر في خطة السلام التي عرفت إعلامياً بـ "صفقة القرن"، والتي أشرف عليها صهر الرئيس ومستشاره جاريد كوشنر. فعلى الرغم من أن الخطة شددت على نزع سلاح حماس، إلا أنها تضمنت أيضاً رؤية لمستقبل اقتصادي لغزة، وهو ما فسره بعض المحللين بأنه اعتراف ضمني بأن الجهة المسيطرة على الأرض ستكون مسؤولة عن تنفيذ أي اتفاقات مستقبلية، شريطة التزامها بوقف العنف. بعبارة أخرى، طرحت الإدارة الأمريكية نموذجاً يقوم على مبدأ "الأمن مقابل الازدهار"، والذي كان موجهاً بشكل غير مباشر إلى حماس، باعتبارها المسؤولة عن الحفاظ على الهدوء في القطاع.
ويمكن تلخيص النقاط الأساسية لهذه الرؤية البراغماتية في الآتي:
- الاعتراف بأن حماس هي جهة الأمر الواقع في غزة.
- ربط أي تحسن اقتصادي أو رفع للحصار عن القطاع بالتزام حماس بوقف إطلاق الصواريخ والأنشطة العسكرية ضد إسرائيل.
- إمكانية منح الحركة تفويضاً مؤقتاً أو دوراً في إدارة الأمن الداخلي في غزة إذا وافقت على شروط محددة، أهمها التخلي عن سلاحها الثقيل.
تفسير الازدواجية في المواقف
يمكن تفسير هذا التناقض في سياسة إدارة ترامب من عدة زوايا. أولاً، قد يكون جزءاً من استراتيجية "العصا والجزرة"، حيث تم استخدام التهديدات والضغط الأقصى (العصا) لدفع حماس نحو القبول بشروط براغماتية (الجزرة) تضمن أمن إسرائيل. ثانياً، يعكس هذا التباين الطبيعة الشخصية لترامب في عقد الصفقات، حيث كان يميل إلى استخدام أقصى درجات الضغط قبل تقديم حلول غير متوقعة.
أخيراً، ربما كانت هذه الازدواجية نتيجة لوجود تيارين مختلفين داخل الإدارة: تيار إيديولوجي متشدد يرفض أي تعامل مع حماس، وتيار براغماتي بقيادة كوشنر يرى أن تحقيق الاستقرار يتطلب التعامل مع الواقع على الأرض. وفي المحصلة، تركت هذه السياسة المتقلبة أثراً معقداً، حيث لم تنجح في نزع سلاح حماس، وفي الوقت نفسه لم تقدم لها تفويضاً واضحاً، مما أبقى الوضع في قطاع غزة على حاله من التوتر وعدم اليقين.





