السودان يطرد مسؤولين بارزين ببرنامج الأغذية العالمي وسط تفاقم الأزمة الإنسانية
في خطوة أثارت قلقاً دولياً واسعاً، أعلنت السلطات السودانية الحاكمة بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، في مطلع شهر أكتوبر 2023، طرد اثنين من كبار مسؤولي برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة من البلاد. وشمل القرار كلاً من المدير القُطري للبرنامج، إيدي رو، ونائبه، ريك بيبركورن، حيث تم إعلانهما شخصين غير مرغوب فيهما وطُلب منهما مغادرة الأراضي السودانية فوراً. يأتي هذا القرار في وقت حرج للغاية، حيث تواجه البلاد واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم نتيجة للصراع الدائر.

تفاصيل القرار وأسبابه الرسمية
أصدرت وزارة الخارجية السودانية بياناً رسمياً بررت فيه القرار، متهمة المسؤولين بالخروج عن التفويض الممنوح لهما والتدخل في الشؤون الداخلية للبلاد. وأشارت السلطات إلى أن المسؤولين لم يلتزما بمبادئ الحياد والاستقلالية التي يجب أن تحكم العمل الإنساني، ووجهت لهما اتهامات ضمنية بالانحياز لأحد طرفي النزاع. ورغم أن البيان لم يقدم أدلة ملموسة لدعم هذه الادعاءات، إلا أنه شدد على أن القرار يعكس حرص الحكومة على سيادة الدولة وحقها في مراقبة عمل المنظمات الدولية على أراضيها.
ردود الفعل الدولية وبرنامج الأغذية العالمي
قوبل القرار بإدانة واستنكار من قبل برنامج الأغذية العالمي والأمم المتحدة. وفي بيان لها، أعربت المنظمة عن صدمتها العميقة من القرار، مؤكدة على حيادها التام والتزامها الثابت بتقديم المساعدات المنقذة للحياة لجميع المحتاجين في السودان، بغض النظر عن انتمائهم السياسي أو الجغرافي. وأكد البرنامج أن هذا الإجراء يعرقل بشكل خطير قدرته على الوصول إلى ملايين الأشخاص الذين يعتمدون على المساعدات الغذائية للبقاء على قيد الحياة.
وعلى الصعيد الدولي، صدرت ردود فعل قوية من عدة جهات فاعلة، من بينها:
- الأمم المتحدة: أعرب الأمين العام للأمم المتحدة عن قلقه البالغ، مشدداً على أن استهداف العاملين في المجال الإنساني أمر غير مقبول، وطالب السلطات السودانية بإلغاء قرارها فوراً لضمان استمرارية تدفق المساعدات.
- الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي: أصدرت كل من واشنطن وبروكسل بيانات تدين الخطوة بشدة، واعتبرتها تصعيداً خطيراً يزيد من معاناة الشعب السوداني. وحذرت من أن إعاقة العمل الإغاثي قد يكون له عواقب وخيمة على العلاقات بين السودان والمجتمع الدولي.
- منظمات إنسانية أخرى: عبرت منظمات غير حكومية عاملة في السودان عن تضامنها مع برنامج الأغذية العالمي، محذرة من أن هذا القرار يخلق بيئة معادية للعمل الإنساني ويزيد من المخاطر التي تواجه العاملين في هذا المجال.
السياق الأوسع: الصراع وتداعياته الإنسانية
يأتي هذا التطور في خضم الصراع العسكري العنيف الذي اندلع في أبريل 2023 بين القوات المسلحة السودانية بقيادة البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو. وقد أدى هذا الصراع إلى كارثة إنسانية شاملة، حيث نزح الملايين من ديارهم، وانهار النظام الصحي، وبات أكثر من 20 مليون شخص، أي ما يقارب نصف سكان البلاد، يواجهون مستويات حادة من انعدام الأمن الغذائي. ولطالما شكلت قضية الوصول الإنساني الآمن وغير المقيد تحدياً كبيراً، حيث يتبادل الطرفان الاتهامات بعرقلة وصول المساعدات ونهب المستودعات واستهداف العاملين في المجال الإغاثي.
التداعيات المحتملة على العمل الإغاثي
يُنظر إلى طرد كبار مسؤولي أكبر منظمة إنسانية في العالم تعمل في السودان على أنه ضربة قاصمة للجهود الإغاثية. ورغم تعهد برنامج الأغذية العالمي بمواصلة عملياته، فإن غياب قيادته العليا على الأرض يخلق فراغاً إدارياً ودبلوماسياً يصعّب من مهمة التفاوض على الوصول إلى المناطق المحاصرة والمتضررة من القتال. ويثير القرار مخاوف من أن يكون مقدمة لمزيد من القيود على المنظمات الدولية، مما يهدد بتعميق الأزمة الإنسانية ودفع المزيد من السكان إلى حافة المجاعة في وقت هم فيه بأمس الحاجة للدعم.




