السوداني لواشنطن: ضرورة تجنب الإجراءات أحادية الجانب والحفاظ على التنسيق المشترك
في ظل تصاعد التوترات الأمنية في العراق والمنطقة، جدد رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، تأكيده على الموقف الرسمي لبغداد الداعي إلى ضرورة احترام سيادة البلاد، مطالباً واشنطن بالامتناع عن تنفيذ أي خطوات عسكرية أحادية الجانب على الأراضي العراقية. وتأتي هذه التصريحات في سياق سلسلة من الضربات الجوية الأمريكية التي استهدفت فصائل مسلحة مرتبطة بإيران، مما وضع العلاقات الاستراتيجية بين البلدين أمام تحديات معقدة وزاد من الضغوط على الحكومة العراقية.

خلفية التوترات المتصاعدة
تستند العلاقة الأمنية بين العراق والولايات المتحدة بشكل أساسي إلى وجود التحالف الدولي لمكافحة تنظيم "داعش"، الذي تقوده واشنطن. وعلى الرغم من إعلان النصر العسكري على التنظيم في عام 2017، استمر وجود قوات التحالف بصفة استشارية وتدريبية لدعم القوات العراقية في ملاحقة خلايا التنظيم المتبقية. إلا أن هذا الوجود أصبح نقطة خلاف رئيسية، خاصة مع تزايد نفوذ فصائل مسلحة تعمل ضمن إطار هيئة الحشد الشعبي، وهي كيان رسمي يتبع القوات المسلحة العراقية، لكن بعض فصائله تحتفظ بعلاقات وثيقة مع إيران وتتبنى أجندة مناهضة للوجود الأمريكي.
وقد شهدت الأشهر الأخيرة، وتحديداً منذ بدء الحرب في غزة في أكتوبر 2023، ارتفاعاً كبيراً في وتيرة الهجمات التي تشنها هذه الفصائل ضد القواعد التي تستضيف قوات أمريكية في العراق وسوريا، معتبرة إياها رداً على الدعم الأمريكي لإسرائيل.
التطورات الأخيرة وردود الفعل
رداً على هذه الهجمات، نفذت الولايات المتحدة عدة ضربات جوية انتقامية في العراق، مؤكدة أنها تأتي في إطار حق الدفاع عن النفس وحماية أفرادها. وكانت أبرز هذه العمليات الضربة التي نُفذت بطائرة مسيّرة في قلب العاصمة بغداد في أوائل فبراير 2024، وأسفرت عن مقتل قيادي بارز في كتائب حزب الله، إحدى أقوى الفصائل المدعومة من إيران. وقد أثارت هذه العملية، وغيرها من الضربات المماثلة، إدانة شديدة من الحكومة العراقية.
وصفت بغداد هذه الأعمال بأنها "انتهاك صارخ للسيادة العراقية" وتجاوز للاتفاقات التي تنظم وجود قوات التحالف. وأكدت أن مثل هذه الإجراءات الأحادية، التي تتم دون تنسيق أو موافقة من الحكومة، تقوض جهود بسط الاستقرار وتجر البلاد إلى دائرة عنف أوسع، مما يضع حكومة السوداني في موقف حرج أمام شركائها السياسيين والجمهور العراقي.
تأثيرات على العلاقات الثنائية ومستقبل التحالف
تأتي هذه المواجهات الميدانية في وقت حساس للغاية، حيث تخوض بغداد وواشنطن محادثات عبر "اللجنة العسكرية العليا" المشتركة، التي تهدف إلى وضع جدول زمني لإنهاء مهمة التحالف الدولي والانتقال إلى علاقات أمنية ثنائية شاملة. ويرى الجانب العراقي أن هذه الضربات تعرقل مسار المفاوضات وتزيد من تعقيدها، كما أنها تمنح زخماً للقوى السياسية الداخلية التي تطالب بإنهاء فوري وكامل للوجود العسكري الأجنبي.
ويجد رئيس الوزراء السوداني نفسه أمام تحدي الموازنة بين الحفاظ على الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، التي تعد ضرورية في مجالات الاقتصاد ومكافحة الإرهاب، وبين تهدئة الفصائل القوية وحلفائها السياسيين الذين يمارسون ضغوطاً متزايدة لتبني موقف أكثر صرامة تجاه واشنطن.
الأبعاد الإقليمية للأزمة
لا يمكن فصل التوترات في العراق عن السياق الإقليمي الأوسع. فالهجمات التي تشنها الفصائل في العراق تأتي كجزء من تحرك منسق لما يعرف بـ"محور المقاومة"، الذي يضم حلفاء إيران في المنطقة من لبنان وسوريا إلى اليمن. ويهدف هذا المحور إلى الضغط على الولايات المتحدة وحلفائها بسبب الصراع في غزة. هذا البعد الإقليمي يحوّل العراق، رغماً عن إرادة حكومته، إلى ساحة لتصفية الحسابات بين واشنطن وطهران، وهو ما سعت بغداد طويلاً لتجنبه للحفاظ على استقرارها الهش.
وفي المحصلة، تمثل دعوة رئيس الوزراء العراقي المتكررة لتجنب الإجراءات الأحادية طلباً واضحاً باحترام سيادة الدولة العراقية والالتزام بآليات الحوار والتنسيق المتفق عليها. ويبقى مستقبل العلاقات بين البلدين مرهوناً بقدرة الطرفين على التوصل إلى صيغة جديدة للشراكة الأمنية تضمن مصالح العراق الوطنية وتستجيب في الوقت نفسه للمخاوف الأمنية الأمريكية في ظل بيئة إقليمية متقلبة ومحفوفة بالمخاطر.





