الشيخ صالح الفوزان مفتياً عاماً للسعودية: أبرز المحطات في مسيرة فقيه بارز
صدر مؤخراً أمر ملكي سعودي بناءً على ما عرضه ولي العهد، بتعيين فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان مفتياً عاماً للمملكة العربية السعودية، ورئيساً لهيئة كبار العلماء، ورئيساً عاماً للرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، بمرتبة وزير. يأتي هذا التعيين ليؤكد على الثقة الكبيرة في مكانة الشيخ العلمية والشرعية، وليضع على عاتقه مسؤولية قيادة المؤسسة الدينية العليا في المملكة في مرحلة تتسم بالتحديات والتطورات المتسارعة.

خلفية ومنشأ فضيلة الشيخ
وُلد الشيخ صالح الفوزان في قرية الشماسية بمنطقة القصيم عام 1354هـ الموافق لعام 1935م. نشأ يتيماً بعد وفاة والده في سن مبكرة، وتولى رعايته أقاربه. تلقى تعليمه الأولي في قريته، حيث حفظ القرآن الكريم وتعلم مبادئ القراءة والكتابة وبعض العلوم الشرعية على يد مشايخ المنطقة، مما أسس لقاعدة معرفية متينة لديه منذ الصغر.
مسيرته التعليمية والعلمية
انتقلت مسيرة الشيخ التعليمية إلى مرحلة متقدمة بالتحاقه بالمدرسة الفيصلية ببريدة، ثم المعهد العلمي ببريدة بعد افتتاحه عام 1371هـ، حيث تخرج منه. واصل تعليمه العالي في مدينة الرياض، فالتحق بكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وتخرج منها عام 1380هـ. لم يتوقف طموحه العلمي عند هذا الحد، بل تابع دراسته العليا في الجامعة نفسها، وحصل على درجة الماجستير والدكتوراه في الفقه الشرعي. تتلمذ الشيخ الفوزان على يد كوكبة من أبرز العلماء والمشايخ الكبار في عصره، ومن أبرزهم الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، والشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، والشيخ عبد الله بن حميد، والشيخ محمد الأمين الشنقيطي، والشيخ عبد الرزاق عفيفي. لقد أثر هؤلاء العلماء بشكل عميق في تكوين شخصيته العلمية ومنهجه في الفقه والاستنباط.
أبرز المناصب والمسؤوليات السابقة
قبل هذا التعيين الرفيع، شغل الشيخ صالح الفوزان العديد من المناصب الهامة التي عكست مكانته العلمية والإدارية، ومن أبرزها:
- مدرساً في المعهد العلمي ببريدة.
- مدرساً في كلية الشريعة بالرياض.
- رئيساً لقسم الدراسات العليا بكلية أصول الدين بالرياض.
- عضواً في اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، وهي الجهة المسؤولة عن إصدار الفتاوى الرسمية في المملكة.
- عضواً في هيئة كبار العلماء، أعلى مرجعية دينية في المملكة العربية السعودية.
- عضواً في المجمع الفقهي بمكة المكرمة التابع لرابطة العالم الإسلامي.
- إماماً وخطيباً لجامع الأمير متعب بن عبد العزيز بالملز في الرياض، حيث استمر في توجيه الناس وإرشادهم عبر خطبه ودروسه.
مؤلفاته وإسهاماته العلمية
يُعد الشيخ الفوزان من العلماء المكثرين في التأليف، وله بصمات واضحة في المكتبة الإسلامية من خلال كتبه ورسائله ومقالاته العديدة التي تغطي مختلف فروع العلوم الشرعية، كالفقه والعقيدة والدعوة. تُشكل مؤلفاته مرجعاً قيماً لطلاب العلم والباحثين. من أبرز أعماله:
- رسالة الماجستير: «التحقيقات المرضية في المباحث الفرضية».
- رسالة الدكتوراه: «أحكام الأطعمة في الشريعة الإسلامية».
- كتاب «شرح كتاب التوحيد» للإمام محمد بن عبد الوهاب.
- كتاب «الملخص الفقهي» في مجلدين.
- كتاب «الإعلام بنقد كتاب مدارج الأنظار».
- مجموعة كبيرة من الفتاوى والمقالات العلمية المنشورة في المجلات والدوريات الشرعية.
أهمية المنصب الجديد وتداعياته
يمثل تعيين الشيخ صالح الفوزان مفتياً عاماً للمملكة ورئيساً لهيئة كبار العلماء ورئيساً عاماً للرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، قمة المسار المهني لأي عالم دين في السعودية. هذا المنصب هو الأعلى والأكثر نفوذاً في الشأن الديني بالمملكة، ويتولى صاحبه مسؤولية إصدار الفتاوى الشرعية التي توجه حياة المسلمين في المملكة وفي العالم الإسلامي، بالإضافة إلى الإشراف على البحوث الشرعية وقيادة أعضاء هيئة كبار العلماء في بحث القضايا المستجدة والمعاصرة.
يعكس هذا التعيين التزام القيادة السعودية بالاعتماد على العلماء الراسخين في العلم والورع، لضمان استمرارية النهج الديني الوسطي والمحافظ في المملكة. ومن المتوقع أن يُعزز دور الشيخ الفوزان في تشكيل الخطاب الديني الرسمي، ومعالجة القضايا الفقهية المعاصرة بأسلوبه العلمي المعروف بالدقة والالتزام بأصول الشريعة. يكتسب هذا التعيين أهمية خاصة في ظل التغيرات الاجتماعية والتنموية التي تشهدها المملكة، مما يتطلب قيادة دينية حكيمة تسهم في توجيه المجتمع وتحصينه وفقاً لمبادئ الإسلام السمحة.





