الصليب الأحمر ينتقد استخراج رفات جندي إسرائيلي من مقبرة في غزة
في حادثة أثارت توترًا كبيرًا في أواخر عام 1994، أصدرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إدانة شديدة لعملية استخراج رفات جندي إسرائيلي من مقبرة في قطاع غزة. الحادثة، التي وُصفت بأنها انتهاك خطير لمبادئ الإنسانية واحترام الموتى، سلطت الضوء على الأوضاع الهشة في ظل مفاوضات السلام التي كانت تجري آنذاك بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

التفاصيل والوقائع
تعود جذور القضية إلى مقتل الرقيب الأول في الجيش الإسرائيلي، تسفيكا فوجيل، في كمين نصبه مسلحون فلسطينيون بالقرب من خان يونس في قطاع غزة. في ظل الظروف الميدانية المعقدة، دُفن الجندي في مقبرة إسلامية محلية. بعد فترة وجيزة، اكتُشف أن القبر قد نُبش وأن رفات الجندي قد اختفت، في عملٍ تبيّن لاحقًا أنه كان مُدبّرًا من قبل فصائل فلسطينية معارضة لعملية السلام.
لقد شكل نبش القبر واستخراج الرفات صدمة كبيرة، ليس فقط لكونه عملاً غير إنساني، بل لأنه استغل قضية حساسة للغاية في الثقافة الإسرائيلية، وهي استعادة رفات الجنود القتلى ودفنهم بشكل لائق.
ردود الفعل والإدانة الدولية
أعربت اللجنة الدولية للصليب الأحمر عن صدمتها واستنكارها الشديدين للحادثة، مؤكدةً أن مثل هذه الأفعال تتعارض بشكل مباشر مع القانون الإنساني الدولي الذي يشدد على ضرورة حماية كرامة الموتى ومعاملة رفاتهم باحترام. وأشارت اللجنة في بيانها إلى أن تدنيس المقابر واستخدام رفات الموتى لأي غرض كان هو أمر غير مقبول تحت أي ظرف. وأكدت أن هذا العمل يمثل سابقة خطيرة تقوض المبادئ الأساسية للكرامة الإنسانية.
من جانبها، أدانت الحكومة الإسرائيلية الحادثة بأقوى العبارات، ووصفتها بأنها عمل همجي. وقد مارست إسرائيل ضغوطًا دبلوماسية وسياسية مكثفة على السلطة الفلسطينية، التي كانت قد تأسست حديثًا آنذاك بقيادة ياسر عرفات، للمطالبة بالعمل الفوري على استعادة الرفات ومعاقبة المسؤولين عن هذا الفعل.
الخلفية والسياق السياسي
وقعت هذه الحادثة في فترة بالغة الحساسية، تلت توقيع اتفاقيات أوسلو، حيث كانت الثقة بين الطرفين هشة للغاية. استغلت الفصائل الفلسطينية المعارضة للاتفاقيات مثل هذه الحوادث لمحاولة نسف عملية السلام وإظهار ضعف السلطة الفلسطينية في السيطرة على الأوضاع الأمنية في مناطقها. شكلت الحادثة اختبارًا حقيقيًا للسلطة الفلسطينية وقدرتها على فرض سيادتها والالتزام بتعهداتها الأمنية بموجب الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل.
تعتبر قضية الجنود المفقودين أو الأسرى أو رفات القتلى من أكثر القضايا حساسية في المجتمع الإسرائيلي، وتوليها الحكومات المتعاقبة أولوية قصوى. لذا، لم تكن حادثة استخراج رفات الجندي فوجيل مجرد قضية أمنية، بل تحولت إلى أزمة سياسية هددت بتعطيل مسار المفاوضات الهش.
استعادة الرفات وتداعيات الحادثة
تحت وطأة الضغوط الدولية والإسرائيلية، تحركت قيادة السلطة الفلسطينية للبحث عن الرفات. وبعد جهود مكثفة ومفاوضات غير مباشرة، تمكنت الأجهزة الأمنية الفلسطينية من تحديد مكان الرفات واستعادتها. في 12 ديسمبر 1994، تم تسليم رفات الجندي تسفيكا فوجيل إلى الجانب الإسرائيلي بوساطة من الصليب الأحمر، ليتم بعد ذلك إعادة دفنه في إسرائيل في جنازة عسكرية كاملة. ورغم انتهاء الأزمة بإعادة الرفات، إلا أنها تركت أثرًا سلبيًا عميقًا على العلاقات بين الطرفين وأظهرت حجم التحديات التي كانت تواجه عملية السلام في تلك المرحلة المبكرة.





