الصين تتربع على عرش صناعة الروبوتات عالمياً: تصنيع وتركيب نصف روبوتات الكوكب
أكدت تقارير ودراسات حديثة صدرت مطلع العام الحالي 2024 أن الصين قد عززت بشكل كبير مكانتها كقوة عالمية مهيمنة في مجال صناعة الروبوتات وتجميعها، حيث يتم تصنيع وتركيب ما يقرب من نصف روبوتات العالم داخل حدودها. هذا الإنجاز ليس مجرد مؤشر على النمو الصناعي، بل يمثل تحولًا استراتيجيًا يعكس طموح بكين في قيادة الثورة الصناعية الرابعة وتعزيز قدراتها التكنولوجية والاقتصادية.
الخلفية والدافع وراء صعود الصين
لم يكن صعود الصين في قطاع الروبوتات وليد الصدفة، بل هو نتيجة لعقود من التخطيط الاستراتيجي والاستثمارات الضخمة. فقد أطلقت الحكومة الصينية مبادرات طموحة مثل «صنع في الصين 2025»، التي تهدف إلى تحويل البلاد من «مصنع العالم» للمنتجات منخفضة التكلفة إلى قوة عظمى في التصنيع عالي التقنية، مع التركيز بشكل خاص على الأتمتة والذكاء الاصطناعي والروبوتات.
- الحاجة المحلية الملحة: تواجه الصين تحديات ديموغرافية تتمثل في ارتفاع تكاليف العمالة وتقلص القوى العاملة الشابة، بالإضافة إلى شيخوخة السكان. دفعت هذه العوامل الصناعات المحلية إلى تبني الأتمتة لتعزيز الكفاءة والحفاظ على القدرة التنافسية.
- الدعم الحكومي المكثف: قدمت الحكومة حوافز كبيرة، بما في ذلك الدعم المالي، الإعفاءات الضريبية، والاستثمار في البحث والتطوير، لتشجيع الشركات المحلية والأجنبية على الاستثمار في قطاع الروبوتات وتطويره.
- السوق الضخم: تمتلك الصين أكبر قاعدة تصنيعية في العالم، مما يوفر سوقًا محليًا هائلاً للروبوتات الصناعية والخدمية، ويسمح للشركات بتحقيق وفورات الحجم بسرعة.
أحدث التطورات ومحركات النمو
شهدت السنوات الأخيرة، وخاصة بعد جائحة كوفيد-19، تسارعًا غير مسبوق في تبني الروبوتات في الصين. ففي عام 2022، تجاوز عدد الروبوتات الصناعية المركبة حديثًا في الصين عدد الروبوتات في بقية دول العالم مجتمعة. وتشير أحدث البيانات، التي صدرت في الربع الأول من عام 2024، إلى استمرار هذا الزخم مع نمو مضاعف في الإنتاج والاستخدام.
لم يقتصر الأمر على الروبوتات الصناعية التقليدية المستخدمة في قطاعات مثل السيارات والإلكترونيات فحسب، بل توسع ليشمل الروبوتات الخدمية في مجالات اللوجستيات، الرعاية الصحية، وحتى الاستخدام الشخصي، بالإضافة إلى الروبوتات التعاونية (cobots) التي تعمل جنبًا إلى جنب مع البشر. وقد أدت الابتكارات المحلية في مجالات مثل أنظمة الرؤية بالذكاء الاصطناعي والتحكم في الحركة إلى تعزيز قدرات الروبوتات الصينية بشكل كبير.
الأهمية الاقتصادية والاستراتيجية
تداعيات هيمنة الصين على صناعة الروبوتات تتجاوز حدودها المحلية. فبصفتها المنتج والمُركِّب الرئيسي، تؤثر الصين بشكل مباشر على سلاسل التوريد العالمية، وتلعب دورًا حاسمًا في تحديد معايير التكنولوجيا وتكاليفها. تعزز هذه السيطرة من قدرة الصين على تحقيق الاستقلالية التكنولوجية، وهو هدف استراتيجي رئيسي في ظل التوترات الجيوسياسية الحالية.
من الناحية الاقتصادية، تسهم الأتمتة في زيادة الإنتاجية والكفاءة في المصانع الصينية، مما يعزز قدرتها التنافسية في الأسواق العالمية. كما توفر هذه الصناعة فرص عمل جديدة في مجالات البحث والتطوير، التصميم، الصيانة، وتشغيل الروبوتات، مما يتطلب إعادة تأهيل وتدريب للقوى العاملة لمواكبة هذه التحولات.
التحديات والآفاق المستقبلية
على الرغم من التقدم الهائل، لا تزال الصين تواجه تحديات. فبالرغم من التطور في تصنيع معظم أجزاء الروبوتات، إلا أن هناك اعتمادًا جزئيًا على بعض المكونات الأساسية عالية الدقة من دول مثل اليابان وألمانيا وسويسرا، كالمخفضات عالية الدقة ومحركات السيرفو وأجهزة التحكم المتطورة. تعمل الصين بنشاط لسد هذه الفجوة وتعزيز قدراتها المحلية في هذه المجالات الدقيقة.
تتطلع الصين إلى المستقبل بمزيد من التكامل بين الروبوتات والذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، لخلق مصانع ذكية بالكامل. كما تواصل الاستثمار في البحث والتطوير لتحسين جودة الروبوتات ودقتها وذكائها، مما يؤكد التزامها بالحفاظ على مكانتها الرائدة في هذه الصناعة الحيوية للعقود القادمة.




