دعوة صينية لروسيا لتعميق التعاون في الاقتصاد والتكنولوجيا
في الثالث والعشرين من أكتوبر 2024، جدد الرئيس الصيني شي جين بينغ دعوته لروسيا لتوسيع وتعزيز التعاون الثنائي في المجالات الاقتصادية والتكنولوجية، مؤكداً على أهمية تعميق الاستثمارات المتبادلة وتعزيز الشراكة الاستراتيجية. تأتي هذه الدعوة في ظل تحولات جيوسياسية كبرى وتزايد التحديات العالمية، مما يدفع بكين وموسكو نحو تقوية الروابط لمواجهة الضغوط الخارجية وتأكيد نموذج نظام عالمي متعدد الأقطاب.

التركيز على قطاعات مثل الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة يعكس رؤية مشتركة للحد من الاعتماد على الغرب وتطوير قدرات ذاتية في الابتكار والإنتاج. وتُعد الصين، بتقدمها الهائل في هذه المجالات، شريكًا حيويًا لروسيا التي تسعى لتعزيز مرونتها الاقتصادية والتكنولوجية في مواجهة العقوبات.
خلفية العلاقات الصينية الروسية
شهدت العلاقات بين الصين وروسيا تطوراً ملحوظاً، خاصة منذ الإعلان عن شراكة «بلا حدود» قبيل الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022. هذه الشراكة، التي امتدت لعقود من التقارب الدبلوماسي والعسكري، اكتسبت بعداً اقتصادياً وتكنولوجياً أعمق خلال السنوات الأخيرة. فبينما واجهت روسيا عزلة متزايدة وعقوبات غربية صارمة، أصبحت الصين شريكها التجاري والاستثماري الأكبر والأكثر موثوقية.
تاريخياً، قامت العلاقة على أساس استراتيجي مشترك لمواجهة ما تعتبرانه هيمنة غربية بقيادة الولايات المتحدة. وقد انعكس ذلك في تزايد التنسيق في المحافل الدولية مثل منظمة شنغهاي للتعاون ومجموعة بريكس. اقتصادياً، تعتمد روسيا على تصدير موارد الطاقة والمواد الخام، بينما تتفوق الصين في الصناعات التحويلية والتكنولوجيا. هذا التكامل الاقتصادي خلق أساساً قوياً للتعاون الثنائي، حيث بلغت أحجام التجارة مستويات قياسية في عام 2023.
مجالات التعاون المقترحة والتطورات الأخيرة
الدعوة الصينية الأخيرة لتعزيز التعاون لا تقتصر على التجارة التقليدية فحسب، بل تمتد لتشمل مجموعة واسعة من القطاعات الحيوية:
- التعاون الاقتصادي: يتضمن ذلك زيادة الاستثمارات المتبادلة في مشاريع البنية التحتية والطاقة والزراعة، بالإضافة إلى توسيع نطاق التجارة الإلكترونية وتبسيط الإجراءات التجارية. تسعى بكين لتأمين مصادر مستقرة للطاقة والمواد الخام، بينما تبحث موسكو عن أسواق جديدة لمنتجاتها وفرص استثمارية لشركاتها.
- التعاون التكنولوجي: يُعد هذا المحور الأكثر أهمية في المرحلة الراهنة. مع تسليط الضوء على الذكاء الاصطناعي، يشمل التعاون مجالات أخرى مثل أشباه الموصلات والفضاء والتكنولوجيا الحيوية والاتصالات الرقمية. تهدف الدولتان إلى تطوير سلاسل إمداد تكنولوجية مستقلة وتقليل الاعتماد على التقنيات الغربية. الصين، الرائدة عالمياً في كثير من هذه الابتكارات، يمكنها تقديم الخبرة والتمويل، بينما تساهم روسيا بقاعدة علمية وهندسية قوية.
- النظام المالي: يستمر البلدان في جهودهما لتقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي والأنظمة المالية الغربية. ويشمل ذلك زيادة استخدام العملات الوطنية (الروبل واليوان) في التجارة الثنائية وتطوير أنظمة دفع بديلة.
- مشاريع الطاقة الكبرى: تتضمن خططاً لتطوير حقول غاز ونفط جديدة ومشاريع أنابيب مثل «قوة سيبيريا 2»، مما يعزز أمن الطاقة للصين ويوفر لروسيا أسواقاً بديلة.
هذه التطورات تعكس جهوداً حثيثة لبناء شراكة متكاملة ومترابطة، قادرة على الصمود أمام الضغوط الخارجية وتوفير بديل للنظام الاقتصادي والسياسي العالمي القائم.
أهمية هذه الشراكة وتأثيرها
تكتسب هذه الدعوة لتعميق التعاون أهمية قصوى لكلا البلدين وللنظام العالمي ككل:
- بالنسبة لروسيا: تمثل الصين شريان حياة اقتصادياً حيوياً، يساعدها على التخفيف من وطأة العقوبات الغربية ويوفر سوقاً ضخماً لصادراتها من الطاقة والموارد. كما يتيح لها الوصول إلى التكنولوجيا المتقدمة والاستثمارات الضرورية لتحديث اقتصادها وتنويعه في ظل عزلتها عن الغرب.
- بالنسبة للصين: تضمن هذه الشراكة إمداداً مستقراً وموثوقاً بالطاقة والمواد الخام، وهو أمر حيوي لاستمرار نموها الاقتصادي. كما توفر روسيا شريكاً استراتيجياً في مساعي بكين لتحدي الهيمنة الأمريكية ودفع أجندتها لنظام عالمي متعدد الأقطاب. وتتيح لها أيضاً فرصة لاختبار ونشر تقنياتها ومنتجاتها في أسواق خارج النطاق الغربي.
- على الصعيد العالمي: هذه الشراكة المتنامية تحمل تداعيات كبيرة على التجارة الدولية وأسواق الطاقة والجغرافيا السياسية. قد تؤدي إلى تسريع تشكيل كتل اقتصادية وسياسية متنافسة، مما يعزز الانقسام بين الشرق والغرب. كما يمكن أن تدفع عجلة إنهاء هيمنة الدولار الأمريكي وتساهم في تعزيز مؤسسات عالمية بديلة.
التحديات والآفاق المستقبلية
على الرغم من الدوافع القوية وراء هذا التقارب، لا تخلو الشراكة الصينية الروسية من التحديات. قد تواجه الشركات الصينية خطر التعرض لعقوبات ثانوية من الغرب بسبب تعاونها مع روسيا. كما أن الفجوة في الحجم الاقتصادي بين البلدين قد تخلق تحديات في التوازن، بالإضافة إلى ضرورة التغلب على الحواجز التكنولوجية والثقافية لضمان التكامل السلس. وتظل قدرة روسيا على استيعاب وتطوير التكنولوجيا الصينية بكفاءة عاملاً حاسماً في نجاح هذا المسعى.
ومع ذلك، فإن الدعوة المستمرة لتعميق التعاون تعكس رؤية استراتيجية طويلة الأمد. من المتوقع أن تواصل هذه الشراكة تعزيز نفسها، حيث تسعى كلتا الدولتين إلى ترسيخ تحالفهما كركيزة لسياساتهما الخارجية وخططهما للتنمية الاقتصادية في عالم يتسم بتزايد التشرذم والتنافس الجيوسياسي.





