الصين تفتح تحقيقًا مع "كوالكوم" بشبهة انتهاك قوانين مكافحة الاحتكار
في خطوة مهمة عكست تزايد قوة الصين التنظيمية، أعلنت السلطات الصينية في أوائل عام 2014 عن فتح تحقيق رسمي واسع النطاق ضد شركة كوالكوم (Qualcomm) الأمريكية العملاقة لتصنيع أشباه الموصلات، وذلك بشبهة انتهاك قوانين مكافحة الاحتكار المحلية. جاء هذا التحقيق، الذي بدأ بشكل فعلي في نوفمبر 2013، ليركز على ممارسات الترخيص الخاصة بكوالكوم ودورها المهيمن في سوق رقائق النطاق الأساسي للهواتف المحمولة.
خلفية التحقيق ومكانة كوالكوم في السوق
تُعد كوالكوم لاعبًا رئيسيًا ومهيمنًا في صناعة أشباه الموصلات العالمية، خاصة في مجال رقائق الهواتف الذكية وتراخيص براءات الاختراع الأساسية لتقنيات الاتصالات مثل الجيل الثالث (3G) والجيل الرابع (4G). تمتلك الشركة محفظة واسعة من البراءات الأساسية الضرورية لأي جهاز محمول يدعم هذه التقنيات، مما يمنحها نفوذًا كبيرًا في السوق. وبسبب هذا النفوذ، كانت العديد من الشركات المصنعة للهواتف في الصين، التي تُعد أكبر سوق للهواتف الذكية في العالم، تعتمد بشكل كبير على تقنيات كوالكوم.
أصبح قانون مكافحة الاحتكار الصيني، الذي بدأ سريانه في عام 2008، أداة قوية متزايدة في يد الحكومة لتنظيم الأسواق المحلية، سواء ضد الشركات الصينية أو الأجنبية. وقد أشرف على هذا التحقيق اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح (NDRC)، وهي واحدة من الجهات التنظيمية الرئيسية المسؤولة عن إنفاذ قوانين مكافحة الاحتكار في الصين.
الادعاءات الرئيسية ضد كوالكوم
تركز التحقيق الصيني على عدة ممارسات مزعومة لكوالكوم اعتبرتها اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح انتهاكًا لقانون مكافحة الاحتكار. شملت هذه الادعاءات ما يلي:
- فرض رسوم ترخيص مفرطة وتمييزية: اتهمت السلطات الصينية كوالكوم بفرض رسوم ترخيص غير عادلة وعالية جدًا على براءات اختراعها الأساسية للجيل الثالث والرابع، والتي تُعتبر ضرورية لصناعة الهواتف الذكية. كما زُعم أن كوالكوم كانت تفرض رسومًا مختلفة على شركات مختلفة دون مبرر واضح.
- ربط براءات الاختراع: أشارت الادعاءات إلى أن كوالكوم كانت تفرض على الشركات الراغبة في ترخيص براءات اختراعها الأساسية الحصول على تراخيص لبراءات اختراع أخرى غير أساسية قد لا تحتاجها تلك الشركات، وذلك كشرط للحصول على البراءات الضرورية.
- طلب التراخيص المتبادلة دون تعويض: ادُعي أن كوالكوم كانت تطلب من الشركات المرخص لها منحها تراخيص متبادلة لبراءات اختراعها الخاصة دون أي تعويض مالي أو اعتبارات عادلة، مما يحد من قدرة الشركات المنافسة على الابتكار والتنافس.
- احتساب الرسوم على قيمة الجهاز بأكمله: كانت كوالكوم تحسب رسوم الترخيص الخاصة بها بناءً على سعر البيع الإجمالي للهاتف، حتى لو كانت قيمة براءات اختراعها لا تمثل سوى جزء صغير من التكلفة الإجمالية للجهاز، مما أدى إلى تضخم كبير في الرسوم.
تطورات التحقيق والقرار النهائي
استمر التحقيق لأكثر من عام، وشمل عمليات تفتيش في مكاتب كوالكوم في الصين وجمع أدلة من الأطراف المعنية. تعاونت كوالكوم مع السلطات الصينية خلال هذه الفترة، وقدمت مقترحات لتعديل ممارساتها التجارية في محاولة للتوصل إلى تسوية. في فبراير 2015، أعلنت اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح عن النتائج النهائية للتحقيق.
خلصت اللجنة إلى أن كوالكوم قد انتهكت بالفعل قانون مكافحة الاحتكار الصيني من خلال استغلال موقعها المهيمن في السوق. ونتيجة لذلك، فرضت السلطات الصينية غرامة قياسية على كوالكوم بلغت 6.088 مليار يوان صيني، أي ما يعادل حوالي 975 مليون دولار أمريكي في ذلك الوقت، لتكون هذه أكبر غرامة تُفرض في تاريخ الصين بموجب قوانين مكافحة الاحتكار.
بالإضافة إلى الغرامة، تعهدت كوالكوم بإجراء تغييرات جوهرية على ممارسات الترخيص الخاصة بها في الصين، وشملت هذه التغييرات:
- تقديم تراخيص منفصلة لبراءات الاختراع الأساسية (3G و 4G) عن غيرها من البراءات.
- خفض معدلات رسوم الترخيص لبراءات الاختراع الصينية.
- التوقف عن ربط براءات الاختراع غير الأساسية بالأساسية.
- التوقف عن طلب تراخيص متبادلة دون تعويض.
- احتساب رسوم الترخيص بناءً على سعر بيع المكونات الداخلية للجهاز، وليس على سعر البيع النهائي للجهاز بأكمله، وهو ما قلل من القاعدة التي تُحسب عليها الرسوم.
أهمية القضية وتأثيرها
كان لهذه القضية تداعيات واسعة النطاق، تجاوزت كوالكوم نفسها، وشملت العديد من الشركات العالمية العاملة في الصين:
- تعزيز قوة تنظيمية الصين: أظهرت القضية عزم الصين على تطبيق قوانين مكافحة الاحتكار بقوة على الشركات الأجنبية والمحلية على حد سواء، مما أرسل رسالة واضحة حول أهمية الامتثال للقوانين المحلية.
- تأثير على نموذج أعمال كوالكوم: أثرت التغييرات في ممارسات الترخيص، خاصة في السوق الصينية الهائلة، بشكل كبير على نموذج أعمال كوالكوم، الذي يعتمد جزء كبير منه على عائدات براءات الاختراع.
- تأثير على الصناعة العالمية: أثارت القضية نقاشات أوسع حول ممارسات ترخيص براءات الاختراع في قطاع التكنولوجيا، وكيفية ضمان التنافسية والابتكار مع حماية حقوق الملكية الفكرية.
- تشجيع المنافسة المحلية: ساهمت هذه التعديلات في خلق بيئة أكثر عدالة للشركات الصينية الناشئة في مجال الهواتف الذكية وأشباه الموصلات، مما مكنها من المنافسة بشكل أفضل.
باختصار، يمثل تحقيق الصين مع كوالكوم في منتصف العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين علامة فارقة في تاريخ قوانين مكافحة الاحتكار العالمية، مؤكدًا على الدور المتزايد للصين كقوة تنظيمية رئيسية في الاقتصاد العالمي.




