العراقيون يتوجهون لصناديق الاقتراع في انتخابات برلمانية مبكرة
في خطوة سياسية محورية، توجه ملايين الناخبين العراقيين إلى مراكز الاقتراع في 10 أكتوبر 2021، للمشاركة في انتخابات برلمانية مبكرة جاءت استجابة لمطالب شعبية واسعة بالتغيير والإصلاح. وقد حملت هذه الانتخابات، وهي الخامسة منذ إقرار الدستور الدائم، آمالاً كبيرة في إعادة تشكيل المشهد السياسي العراقي، لكنها جرت وسط أجواء من التحديات الأمنية والسياسية ومشاعر متباينة من الأمل والتشكك بين المواطنين.

خلفية الانتخابات المبكرة
جاءت هذه الانتخابات كنتيجة مباشرة للاحتجاجات الشعبية الواسعة المعروفة باسم "حركة تشرين" التي انطلقت في أكتوبر 2019. طالب المتظاهرون بإنهاء الفساد المستشري، وتحسين الخدمات العامة، وتوفير فرص العمل، والأهم من ذلك، إصلاح النظام السياسي القائم على المحاصصة الطائفية والعرقية. أدت الاحتجاجات إلى استقالة حكومة رئيس الوزراء آنذاك عادل عبد المهدي، وتعهدت الحكومة التي تلتها برئاسة مصطفى الكاظمي بإجراء انتخابات مبكرة وفق قانون انتخابي جديد يهدف إلى زيادة فرص المرشحين المستقلين والحد من هيمنة الأحزاب التقليدية.
قانون الانتخابات الجديد وتفاصيل يوم الاقتراع
أُجريت الانتخابات وفق قانون جديد أحدث تغييرات جوهرية في آلية التصويت، بهدف تعزيز التمثيل المحلي ومنح الناخبين قدرة أكبر على اختيار ممثليهم مباشرة. من أبرز ملامح هذا القانون:
- تقسيم المحافظات إلى 83 دائرة انتخابية صغيرة بدلاً من اعتبار المحافظة دائرة واحدة، مما يتيح تمثيلاً أكثر دقة للمناطق المختلفة.
- اعتماد نظام التصويت الفردي، حيث يصوت الناخب لمرشح معين بالاسم بدلاً من التصويت لقائمة حزبية مغلقة.
- إلغاء آلية توزيع المقاعد التي كانت تمنح الأحزاب الكبيرة أفضلية، مما كان يُعتقد أنه سيفتح الباب أمام فوز عدد أكبر من المستقلين والوجوه الجديدة.
جرت عملية الاقتراع وسط إجراءات أمنية مشددة شارك فيها مئات الآلاف من أفراد الجيش والشرطة لتأمين المراكز الانتخابية. كما حظيت الانتخابات بمراقبة دولية ومحلية واسعة، بما في ذلك بعثات من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، لضمان نزاهتها وشفافيتها.
نسبة المشاركة والنتائج
كانت نسبة المشاركة أحد أبرز مؤشرات هذه الانتخابات، حيث أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات أن النسبة النهائية بلغت حوالي 41%، وهي الأدنى في تاريخ الانتخابات البرلمانية العراقية منذ عام 2003. وقد عكست هذه النسبة حالة من الإحباط وفقدان الثقة لدى شريحة واسعة من العراقيين في العملية السياسية برمتها، على الرغم من أن الانتخابات كانت مطلباً شعبياً رئيسياً.
أما على صعيد النتائج، فقد أحدثت تغييرات ملحوظة في توازنات القوى داخل البرلمان. برزت "الكتلة الصدرية" بزعامة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر كأكبر فائز بحصولها على أكثر من 70 مقعداً. في المقابل، شهدت القوى السياسية الممثلة للفصائل المسلحة المدعومة من إيران، وعلى رأسها "تحالف الفتح"، تراجعاً كبيراً في عدد مقاعدها مقارنة بالانتخابات السابقة، مما أثار جدلاً واسعاً واحتجاجات من قبل هذه القوى التي شككت في نزاهة النتائج.
الأهمية والتداعيات السياسية
تكمن أهمية هذه الانتخابات في كونها محاولة للاستجابة لمطالب الشارع العراقي، إلا أن تداعياتها كشفت عن عمق الأزمة السياسية في البلاد. أدى رفض الأطراف الخاسرة للنتائج إلى الدخول في نفق طويل من الجمود السياسي استمر قرابة عام كامل، تخللته توترات ومشاحنات وصلت إلى حد المواجهات في بعض الأحيان. فشلت محاولات مقتدى الصدر لتشكيل حكومة أغلبية وطنية، وانتهى الأمر بانسحاب كتلته من البرلمان، مما مهد الطريق لخصومه في "الإطار التنسيقي" لتشكيل الحكومة الحالية. ورغم أن الانتخابات غيرت موازين القوى البرلمانية، إلا أنها لم تنجح في كسر حلقة الجمود السياسي أو معالجة الأسباب الجذرية التي أدت إلى احتجاجات تشرين.





