الفاشر: شهادات مروعة تكشف عن اغتصابات جماعية وعنف جنسي بعد سيطرة الدعم السريع
تتوالى التقارير والشهادات المروعة من مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، والتي سقطت في أيدي قوات الدعم السريع أواخر شهر أكتوبر/تشرين الأول 2024. تكشف هذه الشهادات عن موجة مقلقة من العنف الجنسي الجماعي والاغتصابات التي استهدفت المدنيين، لا سيما النساء والفتيات، في أعقاب انسحاب الجيش السوداني وسيطرة قوات الدعم السريع على المدينة. هذه التطورات تزيد من حدة الأزمة الإنسانية وتلقي بظلالها على جهود إحلال السلام في السودان.

سقوط الفاشر وأهميتها الاستراتيجية
تمثل مدينة الفاشر نقطة استراتيجية حيوية في إقليم دارفور، فهي العاصمة التاريخية للإقليم ومركز تجاري وإنساني رئيسي. كانت المدينة قد صمدت أمام حصار خانق فرضته قوات الدعم السريع لأكثر من عام، مما أدى إلى تدهور الأوضاع المعيشية للسكان ونقص حاد في الغذاء والدواء. سقطت الفاشر في يد الدعم السريع بعد معارك ضارية مع القوات المسلحة السودانية والحركات المسلحة المتحالفة معها، مما أنهى آخر معاقل الجيش في دارفور وفتح الباب أمام سيطرة كاملة للدعم السريع على الإقليم. هذا السقوط، الذي وقع تقريباً في 26 أكتوبر 2024، لم يغير الخارطة العسكرية فحسب، بل أحدث تحولاً عميقاً في ديناميات الصراع.
شهادات مروعة عن العنف الجنسي
بعد أيام قليلة من سقوط المدينة، بدأت منظمات حقوق الإنسان والجهات الإغاثية في تلقي شهادات صادمة من الناجين والشهود الذين تمكنوا من الفرار من الفاشر. تتحدث هذه الشهادات عن عمليات اغتصاب جماعي ممنهجة وعنف جنسي واسع النطاق ارتكبتها عناصر من قوات الدعم السريع ضد النساء والفتيات. ووفقاً للتقارير الأولية، شملت هذه الاعتداءات مدنيات لجأن إلى مراكز إيواء أو كن يحاولن الفرار من المدينة. تصف الشهادات بيئة من الرعب واليأس، حيث كان السكان محاصرين وغير قادرين على طلب المساعدة، وتفاقمت معاناتهم بسبب انهيار الخدمات الأمنية والصحية.
أفادت مصادر متعددة بأن العنف الجنسي لم يكن مجرد حوادث فردية، بل بدا أنه جزء من نمط أوسع لتخويف السكان وترهيبهم. وقد وثقت بعض هذه التقارير أسماء بعض المناطق التي شهدت هذه الجرائم، مما يبرز الحاجة الملحة إلى تحقيق دولي شامل ومحاسبة الجناة. هذه الأفعال تشكل انتهاكات جسيمة للقانون الإنساني الدولي وقد ترقى إلى مستوى جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية.
السياق الأوسع للصراع في دارفور
تأتي هذه الأحداث المروعة في الفاشر ضمن سياق تاريخ طويل من النزاعات والعنف في إقليم دارفور، الذي شهد منذ عام 2003 موجات متكررة من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. يعيد سقوط الفاشر وسيل العنف الذي أعقبه إلى الأذهان فصولاً مظلمة من تاريخ الإقليم، حيث استُخدم العنف الجنسي كسلاح حرب لإرهاب المجتمعات وتشريدها. يرى محللون أن سيطرة الدعم السريع على الفاشر تمنحهم موقعاً مهماً في إقليم دارفور، لكنها أيضاً تضعهم تحت مجهر التدقيق الدولي بسبب الاتهامات الموجهة لهم.
أدت المعارك والسيطرة على المدينة إلى موجات نزوح جديدة، حيث فر الآلاف من السكان بحثاً عن الأمان في مناطق مجاورة أو خارج السودان، مما يزيد من الضغط على الموارد الإنسانية المحدودة أصلاً. تعاني المنطقة من نقص حاد في المساعدات بسبب القيود المفروضة على الوصول ونقص التمويل.
ردود الفعل والمطالبات الدولية
أثارت التقارير الواردة من الفاشر إدانات واسعة من قبل المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان. دعت الأمم المتحدة ومفوضية حقوق الإنسان التابعة لها، بالإضافة إلى منظمات مثل هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية، إلى فتح تحقيق فوري ومستقل في هذه الادعاءات. وطالبت هذه الهيئات بضمان حماية المدنيين وتقديم المساعدة الطبية والنفسية للناجين، فضلاً عن محاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم.
وأكدت دول غربية، منها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، على ضرورة التزام جميع الأطراف المتحاربة بالقانون الإنساني الدولي، محذرة من تداعيات الإفلات من العقاب. يتوقع أن تزيد هذه التطورات من الضغوط الدولية على قيادات قوات الدعم السريع لاتخاذ إجراءات فورية لوقف الانتهاكات ومعالجة تداعياتها.
الأهمية والتداعيات المستقبلية
تحمل الأحداث في الفاشر أهمية بالغة وتداعيات خطيرة على مستقبل السودان ككل. إن استمرار العنف الجنسي الممنهج يعمق الجروح المجتمعية ويعرقل أي آمال في المصالحة الوطنية. كما أنها تقوض بشكل مباشر الجهود المبذولة لوقف إطلاق النار والتوصل إلى حل سياسي للصراع المستمر في البلاد. هذه التقارير تضع عبئاً أخلاقياً وقانونياً على عاتق المجتمع الدولي للتحرك بفاعلية لضمان العدالة للضحايا ومنع تكرار مثل هذه الفظائع. بدون مساءلة حقيقية، ستظل دورة العنف قائمة، وستدفع المجتمعات المدنية الثمن الأكبر.





