الفريق قاصد محمود: نزع سلاح حماس مرهون بتشكيل هيئة انتقالية
في تحليل حديث حول مستقبل قطاع غزة وتحديات "اليوم التالي" للصراع، أكد الفريق قاصد محمود، نائب رئيس أركان الجيش الأردني السابق، أن عملية نزع سلاح حركة حماس لا يمكن أن تتم بمعزل عن تشكيل هيئة إدارية انتقالية في القطاع. تُشير تصريحات محمود إلى تعقيد المشهد السياسي والأمني، وتُبرز أن أي خطوة نحو تجريد حماس من سلاحها هي جزء من حل سياسي أوسع يتطلب وجود سلطة شرعية ومقبولة لإدارة غزة، ما يربط المصير الأمني للقطاع بمعادلة حكم مستقر وفاعل.

سياق التصريحات الإسرائيلية وردود الفعل
تأتي هذه التحليلات في وقت تتصاعد فيه النقاشات الإقليمية والدولية حول مصير قطاع غزة بعد انتهاء العمليات العسكرية الجارية. كانت تصريحات المسؤولين الإسرائيليين، وعلى رأسهم وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، قد ركزت بشكل متكرر على ضرورة "نزع سلاح حماس" كأحد الأهداف الرئيسية إلى جانب استعادة الأسرى الإسرائيليين. وصف الفريق محمود هذه التصريحات بأنها "موجهة للإعلام" و"متوقعة" في سياق الضغط السياسي والإعلامي المستمر، مما يُوحي بأنها قد لا تعكس بالضرورة استراتيجية قابلة للتطبيق بحد ذاتها دون أبعاد سياسية أعمق وتوافق دولي وإقليمي.
من جانب آخر، فإن رفض حماس القاطع لأي فكرة تتعلق بنزع سلاحها هو موقف يُعتبر أيضًا "متوقعًا ومنطقيًا" وفقًا لتحليل الفريق محمود. تُنظر إلى المقاومة المسلحة من قبل حماس كجزء أساسي من هويتها ورؤيتها للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وأي تنازل في هذا الجانب يُعد مسألة وجودية بالنسبة للحركة. يُبرز هذا التباين الشديد في المواقف حجم التحدي الذي يواجه أي محاولة لفرض حل عسكري بحت دون معالجة الجذور السياسية للأزمة، مما يجعل مسألة نزع السلاح جزءًا لا يتجزأ من تسوية سياسية شاملة.
الربط بين نزع السلاح والهيئة الانتقالية
يرى الفريق قاصد محمود أن ربط نزع سلاح حماس بتشكيل هيئة انتقالية هو طرح واقعي يدرك أن فراغ السلطة أو غياب كيان إداري فاعل ومقبول سيجعل أي محاولة لنزع السلاح غير مجدية أو قابلة للتطبيق على المدى الطويل. فبدون وجود سلطة بديلة قادرة على توفير الأمن والخدمات المدنية وإدارة شؤون السكان، فإن نزع السلاح قد يؤدي إلى فوضى أمنية أو إعادة تشكيل قوى أخرى، مما يُقوض أي جهود لتحقيق الاستقرار. إن هذا الربط يُشير إلى أن الأمن الحقيقي في غزة لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال حكم مدني مستقر يحظى بالشرعية والقبول.
تتطلب الهيئة الانتقالية المقترحة أن تكون ذات مصداقية وقادرة على كسب ثقة الشعب الفلسطيني، وأن تحظى بدعم إقليمي ودولي واسع. يمكن أن تتخذ هذه الهيئة أشكالاً متعددة؛ فقد تكون حكومة تكنوقراطية فلسطينية بدعم خارجي، أو إدارة دولية مؤقتة، أو حتى مجلسًا فلسطينيًا موحدًا يضم مختلف الأطياف السياسية، وفقًا للرؤى المختلفة المطروحة. جوهر الفكرة يكمن في وجود كيان يُمكنه الاضطلاع بمهام الحكم وإعادة الإعمار والأمن، وبالتالي توفير بديل شرعي ومستقر لدور حماس كقوة مهيمنة وكسلطة تدير الحياة اليومية للمواطنين.
التحديات أمام سيناريوهات "اليوم التالي"
إن سيناريوهات "اليوم التالي" في غزة تواجه تحديات جمة لا تقتصر على الجانب الأمني فحسب. أولاً، هناك الخلافات العميقة داخل الفصائل الفلسطينية بشأن شكل الحكم المستقبلي، ودور حماس، وعلاقة غزة بالضفة الغربية في إطار دولة فلسطينية موحدة. ثانيًا، تتباين مواقف القوى الإقليمية والدولية حول كيفية إدارة القطاع، ومن يتولى المسؤولية الأمنية والمدنية في ظل غياب رؤية واضحة. ثالثًا، لا تزال إسرائيل تضع شروطًا أمنية صارمة لأي ترتيبات مستقبلية، مما يُعقد التوصل إلى توافق واسع النطاق وقابل للتطبيق.
إن تفكيك القدرات العسكرية لحركة بحجم حماس يتطلب أكثر من مجرد عملية عسكرية؛ فهو يتطلب حلاً سياسيًا يُقدم بديلاً مقبولاً ومستدامًا للسكان، ويُعيد الأمل في مستقبل سياسي أفضل. هذا التحدي يتجاوز الجانب الأمني ليشمل إعادة الإعمار الشامل للمناطق المتضررة، وتوفير فرص العمل، وتحسين الظروف المعيشية لأكثر من مليوني نسمة يعيشون في ظروف بالغة الصعوبة، وهي عوامل أساسية لضمان الاستقرار على المدى الطويل.
خلاصة وتوقعات
خلاصة القول، يُلقي تحليل الفريق قاصد محمود الضوء على حقيقة أن نزع سلاح حماس، في حال كان هدفًا، لا يمكن أن يكون مجرد نتيجة لعملية عسكرية، بل يجب أن يكون جزءًا لا يتجزأ من تسوية سياسية أوسع نطاقًا. هذه التسوية ينبغي أن تشمل إنشاء كيان إداري بديل، يتمتع بالشرعية والمقبولية، ويقدم رؤية واضحة ومستقبلًا مستقرًا لقطاع غزة. بدون هذا الإطار السياسي الشامل، قد تظل الدعوات لنزع السلاح مجرد تصريحات إعلامية أو أهدافًا عسكرية محدودة، فيما تستمر التحديات الأمنية والإنسانية في القطاع دون حلول جذرية. إن البحث عن "اليوم التالي" يستلزم إدراكًا عميقًا للروابط المتبادلة بين الأمن والسياسة والحكم في هذه المنطقة المعقدة، والعمل على إيجاد توازن دقيق يراعي مصالح جميع الأطراف.





