اللعب بالنار.. تمسك حماس بسلاحها يثير "عاصفة قادمة"
في أعقاب الهدنة الهشة التي أوقفت نزيف الدم في قطاع غزة، وأدخلت المنطقة في حالة من الصمت المترقب بعد أشهر من الصراع المدمر، عادت معضلة السلاح لتتصدر المشهد السياسي والأمني. فبينما تتنفس غزة الصعداء مؤقتًا، أعلنت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) تمسكها القاطع بسلاحها، ورفضها لأي صيغة أو مبادرة لنزعه، وهو ما يثير قلقًا عميقًا ويطلق تحذيرات من أن المنطقة على أعتاب "عاصفة قادمة" محتملة.

خلفية النزاع وأهمية السلاح لحماس
يمثل السلاح جزءًا لا يتجزأ من هوية حركة حماس ومن استراتيجيتها منذ تأسيسها. فقد تطور جناحها العسكري، كتائب الشهيد عز الدين القسام، ليصبح قوة عسكرية ذات قدرات متزايدة، تعتبرها الحركة ركيزة أساسية "للمقاومة" ضد الاحتلال وحماية الشعب الفلسطيني. على مر السنين، شهد قطاع غزة عدة جولات من الصراع العنيف مع إسرائيل، كانت كل منها تنهي بوقف إطلاق نار هش، يليه حتمًا عودة لمناقشة وضع سلاح حماس.
لطالما طالبت إسرائيل والمجتمع الدولي بنزع سلاح حماس كشرط مسبق لأي حل طويل الأمد أو عملية سياسية جادة. يرون في هذا السلاح عقبة أمام تحقيق الاستقرار وإعادة الإعمار في القطاع المحاصر. في المقابل، ترى حماس في سلاحها ورقة تفاوضية مهمة ووسيلة للدفاع عن النفس في غياب أفق سياسي حقيقي لإنهاء الاحتلال وحصار غزة. وتؤكد الحركة أن تجارب الماضي أظهرت أن غياب القوة الرادعة يمكن أن يعرض الشعب الفلسطيني لمزيد من الانتهاكات.
شهدت الأشهر الماضية واحدة من أعنف جولات الصراع في تاريخ غزة، حيث خلفت دمارًا هائلاً وخسائر بشرية فادحة. وعلى الرغم من أن الهدنة الحالية جلبت بعض الهدوء، فإنها لم تعالج الأسباب الجذرية للصراع، وعلى رأسها قضية سلاح حماس ومستقبل القطاع المحاصر.
موقف حماس الأخير ورفض نزع السلاح
في تصريحات صدرت مؤخرًا، أكد قادة في حركة حماس بشكل لا لبس فيه رفضهم المطلق لأي دعوات لنزع سلاح الحركة. وقد جاء هذا الموقف ليؤجج المخاوف بشأن مستقبل الهدوء في غزة واحتمال تجدد التصعيد. تعلل حماس موقفها بأن سلاحها هو ضمانة وحيدة "للدفاع عن الشعب الفلسطيني" وحقوقه المشروعة، في ظل استمرار الاحتلال والحصار، وغياب أي أفق سياسي حقيقي لإنهاء معاناة الفلسطينيين. وتشير الحركة إلى أن المطالب بنزع السلاح لا تأخذ في الحسبان السياق الأوسع للصراع ولا طبيعة وجودها كحركة مقاومة.
يضع هذا الموقف الحركة في مواجهة مباشرة مع المطالب الدولية والإقليمية التي ترى في سلاح الفصائل المسلحة عقبة رئيسية أمام أي تسوية سياسية دائمة. كما يزيد من تعقيد جهود الوساطة التي تبذلها دول مثل مصر وقطر، والتي تسعى لترسيخ الهدنة ودفع عملية الإعمار. ويبدو أن حماس تستند في موقفها إلى قناعة راسخة بأن التخلي عن سلاحها سيعني التخلي عن قوتها التفاوضية ومبدأ المقاومة الذي تأسست عليه.
التداعيات المحتملة و"العاصفة القادمة"
إن تمسك حماس بسلاحها يحمل في طياته تداعيات خطيرة، قد تدفع بالمنطقة نحو "عاصفة قادمة" جديدة، على النحو التالي:
- تجدد الصراع المسلح: يزيد هذا الموقف بشكل كبير من مخاطر تجدد التصعيد العسكري مع إسرائيل، التي تعتبر سلاح حماس تهديدًا لأمنها. أي شرارة جديدة قد تشعل جولة أخرى من العنف المدمر في غزة.
- عرقلة جهود الإعمار: تعتبر الدول المانحة والمنظمات الدولية أن وجود الأسلحة خارج سيطرة السلطة الشرعية في غزة يمثل تحديًا كبيرًا لعملية الإعمار، وقد يؤدي إلى تعليق بعض المساعدات الضرورية.
- تعميق الانقسام الفلسطيني: يعزز هذا الموقف الانقسام القائم بين حماس والسلطة الفلسطينية، ويعقد أي محاولات جادة للمصالحة الوطنية، حيث تصر السلطة على أن يكون السلاح تحت سيطرة دولة واحدة.
- تدهور الوضع الإنساني: أي تصعيد جديد سيلقي بظلاله الكارثية على الوضع الإنساني المتدهور أصلاً في غزة، حيث يعاني غالبية السكان من الفقر والبطالة ونقص الخدمات الأساسية.
- تآكل الثقة الدبلوماسية: يقوض هذا الموقف جهود الوساطة الدولية والإقليمية ويقلل من فرص بناء الثقة اللازمة لتحقيق أي تقدم نحو حل سياسي شامل.
ردود الفعل والتحذيرات الدولية والإقليمية
لم يأتِ إعلان حماس عن تمسكها بسلاحها دون ردود فعل وتحذيرات. فقد أعربت العديد من الأطراف الدولية والإقليمية، وإن لم يكن علنًا في كل الأحوال، عن قلقها البالغ من هذا التطور. حيث يرى دبلوماسيون ومحللون أن استمرار حماس في امتلاك هذه القوة العسكرية يعرقل أي مسعى نحو استقرار طويل الأمد في غزة، ويُبقي على المنطقة في حالة تأهب دائمة.
من المرجح أن تزيد هذه التصريحات من الضغوط على الحركة، وربما تدفع الأطراف الوسيطة إلى تكثيف جهودها لإيجاد حل وسط مقبول يحول دون انزلاق المنطقة نحو جولة عنف جديدة. ومع ذلك، فإن التجربة التاريخية تشير إلى أن قضية نزع السلاح في غزة هي من أعقد الملفات وأكثرها حساسية، ومن غير المرجح أن يتم حلها بسهولة دون تغييرات جوهرية في المشهد السياسي الأوسع.
المنطقة تقف على مفترق طرق حرج. فبينما يرى البعض أن سلاح المقاومة حق مشروع، يرى آخرون أنه يمثل عامل اشتعال دائم يُعيق أي محاولة لإحلال السلام والاستقرار، ويدفع باتجاه "عاصفة قادمة" قد لا تنجو منها أي من الأطراف.



