المتحف المصري الكبير: تدفق جماهيري غير مسبوق في أول أيام الافتتاح
شهد المتحف المصري الكبير (GEM) في الجيزة إقبالاً جماهيرياً غفيراً وغير مسبوق خلال المراحل الأولية لافتتاحه التشغيلي التجريبي، حيث أعلنت إدارته عن استقباله لعدد كبير من الزوار الذين أتوا لاستكشاف هذا الصرح الثقافي الضخم. تعكس هذه الحشود الضخمة الشغف العام والترقب الكبير لمشاهدة المقتنيات الأثرية الفريدة، خاصة مجموعة كنوز الملك الذهبي توت عنخ آمون التي يُعرض جزء كبير منها للمرة الأولى بشكل كامل.

بدأ المتحف المصري الكبير في استقبال الزوار بشكل تجريبي في أواخر عام 2022 وأوائل عام 2023، في خطوة تمهيدية للافتتاح الرسمي الكبير المنتظر. وقد لاقت هذه الزيارات التجريبية نجاحاً هائلاً، حيث كانت التذاكر المتاحة للوصول إلى القاعات المحددة، مثل البهو العظيم ومنطقة المتحف التجاري والحدائق المحيطة، تُباع بالكامل في وقت قصير جداً بعد طرحها. هذه الظاهرة، التي وصفتها التقارير الإخبارية بـ«كامل العدد»، أبرزت مدى عطش الجمهور المحلي والدولي لتجربة المتحف الجديد الذي طال انتظاره.
سياق الافتتاح والتشغيل التجريبي
لم يكن الافتتاح الجماهيري الأولي للمتحف بمثابة الافتتاح الرسمي الكامل لجميع قاعاته وعروضه، بل كان جزءاً من خطة تشغيل تجريبي دقيقة تهدف إلى اختبار جاهزية المرافق والبنية التحتية، فضلاً عن تدريب الكوادر البشرية وتجهيز المناطق المختلفة. شملت هذه المرحلة التجريبية استقبال جولات سياحية منظمة ومجموعات محدودة من الزوار، قبل أن يتم توسيع نطاق الوصول تدريجياً ليشمل أعداداً أكبر من الجمهور العام الراغب في الاستفادة من هذه الفرصة المبكرة لزيارة المتحف. وقد ساعدت الصور العديدة التي تم تداولها من هذه الأيام الأولى على نقل حماس الزوار وضخامة المبنى وتصميمه الفريد، مما زاد من الشغف العام بالافتتاح الكامل.
أتاحت هذه الفترة التجريبية للزوار فرصة فريدة للتجول في أجزاء مختارة من المتحف، بما في ذلك البهو العظيم الذي يضم تمثال رمسيس الثاني الضخم، إضافة إلى منطقة الخدمات التجارية والمطاعم والمقاهي. كما أتاحت للخبراء والقائمين على المتحف جمع ملاحظات قيمة حول تدفق الزوار، إدارة الحشود، وتجربة المستخدم بشكل عام، لضمان أعلى مستوى من الجاهزية عند الافتتاح الرسمي الشامل الذي من المتوقع أن يجذب ملايين الزوار سنوياً.
الأهمية التاريخية والثقافية للمتحف
يعد المتحف المصري الكبير أكبر متحف أثري في العالم، وقد صُمم ليكون صرحاً حضارياً عالمياً يعرض كنوز الحضارة المصرية القديمة على مساحة تزيد عن 480 ألف متر مربع. يقع المتحف في قلب الهضبة الغربية بالجيزة، على مقربة من أهرامات الجيزة الثلاثة، مما يجعله جزءاً لا يتجزأ من تجربة سياحية متكاملة تربط بين عراقة الأهرامات وحداثة المتحف. تم تكريس المتحف بالأساس ليكون المقر الدائم والنهائي لمجموعة الملك توت عنخ آمون الكاملة، والتي تضم أكثر من 5000 قطعة أثرية، مما يحتفي بالذكرى المئوية لاكتشاف مقبرته.
يتجاوز دور المتحف كونه مجرد مكان لعرض الآثار، فهو مركز بحثي وتعليمي يضم معامل ترميم هي الأكبر والأحدث في الشرق الأوسط، ومكتبة متخصصة، ومناطق تعليمية وتفاعلية للأطفال. يسعى المتحف إلى تقديم تجربة ثقافية وتعليمية غامرة للزوار من مختلف الأعمار والخلفيات، مستخدماً أحدث التقنيات البصرية والتفاعلية ليعرض التاريخ المصري العريق بطرق مبتكرة وممتعة.
التصميم المعماري والمقتنيات
يتميز المتحف المصري الكبير بتصميمه المعماري الفريد الذي يجمع بين الأصالة والحداثة، وقد أشرف عليه فريق معماري عالمي. من أبرز معالمه الواجهة الزجاجية الضخمة التي تسمح بإطلالة بانورامية على الأهرامات، والبهو العظيم الذي يستقبل الزوار، والدرج العظيم الذي يعرض قطعاً أثرية ضخمة وصولاً إلى قاعات الملك توت عنخ آمون. يضم المتحف قاعات عرض رئيسية مخصصة للحضارات المصرية القديمة عبر عصورها المختلفة، بالإضافة إلى مناطق عرض مؤقتة ومتحف للأطفال، مما يوفر تجربة ثقافية متنوعة.
بجانب مجموعة توت عنخ آمون الأسطورية، يحتوي المتحف على الآلاف من القطع الأثرية التي لم تُعرض من قبل، والتي تم نقلها بعناية فائقة من المتاحف والمخازن الأثرية الأخرى في جميع أنحاء مصر. تُبرز هذه المقتنيات الغنى والتنوع الذي يميز الحضارة المصرية على مدار آلاف السنين، وتشمل التماثيل الضخمة، المومياوات، الحلي، الأدوات اليومية، والنصوص القديمة، وكلها معروضة بتقنيات عرض حديثة تضمن الحفاظ عليها وتقديمها في أبهى صورها.
الأثر الاقتصادي والسياحي
يمثل المتحف المصري الكبير أحد أبرز المشاريع القومية التي تهدف إلى تعزيز مكانة مصر كوجهة سياحية وثقافية عالمية. من المتوقع أن يسهم المتحف بشكل كبير في تنشيط حركة السياحة الوافدة، حيث سيجذب ملايين الزوار سنوياً، مما يعود بالنفع على الاقتصاد المصري من خلال زيادة الإيرادات السياحية وتوفير فرص عمل مباشرة وغير مباشرة في قطاعات متعددة مثل الفنادق، النقل، والخدمات. يتوقع أن يلعب المتحف دوراً محورياً في إعادة تشكيل الخريطة السياحية في منطقة الجيزة، لا سيما مع اكتمال مشروع تطوير هضبة الأهرامات.
كما يعزز المتحف من دور مصر الثقافي على الساحة الدولية، حيث يقدم للعالم نافذة جديدة للتعرف على الحضارة المصرية العريقة وإسهاماتها في تاريخ البشرية. يُنظر إلى المتحف على أنه رمز للنهضة الثقافية المصرية، ويحمل آمالاً كبيرة في استعادة زخم السياحة الذي تأثر في السنوات الماضية، ليصبح نقطة جذب رئيسية ضمن الرؤية المستقبلية لمصر 2030.
تجربة الزوار والاستعداد للافتتاح الكبير
يقدم المتحف تجربة متكاملة للزوار تتجاوز مجرد مشاهدة الآثار. تم تصميم مسارات الزيارة لتكون سهلة وميسرة، مع توفير مرشدين متخصصين وشاشات عرض تفاعلية تقدم معلومات مفصلة عن كل قطعة أثرية. كما يضم المتحف مجموعة من الخدمات والمرافق الحديثة، بما في ذلك المطاعم والمقاهي ومحلات الهدايا، بالإضافة إلى قاعات للمؤتمرات والفعاليات الثقافية. كل هذه التجهيزات تهدف إلى توفير تجربة ممتعة ومثرية للزوار من مختلف الخلفيات.
تستمر الاستعدادات على قدم وساق للتحضير للافتتاح الكبير للمتحف، والذي سيشكل حدثاً عالمياً ضخماً. يشمل ذلك استكمال نقل باقي القطع الأثرية من المتحف المصري بالتحرير والمخازن الأخرى، والانتهاء من تنسيق جميع قاعات العرض، بالإضافة إلى تطوير البنية التحتية المحيطة بالمتحف. هذا التدفق الجماهيري الكبير الذي شهدته الأيام الأولى للتشغيل التجريبي يعطي مؤشراً قوياً على النجاح المتوقع للافتتاح الرسمي المرتقب، ويؤكد على مكانة المتحف كأيقونة ثقافية جديدة لمصر والعالم.
في الختام، يُعد المتحف المصري الكبير أكثر من مجرد متحف؛ إنه شهادة حية على عظمة الحضارة المصرية القديمة، ورمز لطموح مصر نحو المستقبل. إن الإقبال الجماهيري غير المسبوق في أيامه الافتتاحية الأولية يعكس ليس فقط جمال وروعة مقتنياته، بل أيضاً الدور المحوري الذي سيلعبه في تشكيل الوعي الثقافي وجذب الانتباه العالمي إلى إرث مصر الغني.





