المتحف المصري الكبير: رحلة 5 آلاف عام من الحضارة تتوجها كنوز لا تقدر بثمن وإشادة عالمية بملحمة فنية ومعمارية تجمع عبقرية الفراعنة وإبداع المصريين المعاصرين.
بعد عقود من التخطيط والبناء، يقف المتحف المصري الكبير (GEM) شامخًا عند سفح أهرامات الجيزة، على وشك أن يفتح أبوابه بالكامل ليصبح أكبر متحف أثري في العالم. هذا الصرح الثقافي الضخم، الذي طال انتظاره، يستعد لاستقبال ملايين الزوار من جميع أنحاء العالم، ليقدم لهم رحلة غير مسبوقة عبر خمسة آلاف عام من الحضارة المصرية العريقة. وقد أفردت الصحف العالمية خلال الفترة الماضية مساحات واسعة لتسليط الضوء على هذه التحفة المعمارية والكنوز التي لا تقدر بثمن التي سيعرضها، واصفة إياه بـ«الملحمة الفنية والمعمارية» التي تجمع ببراعة بين عبقرية الفراعنة وإبداع المصريين المعاصرين.

خلفية تاريخية: رؤية تتجسد بعد انتظار طويل
تعود فكرة إنشاء المتحف المصري الكبير إلى أواخر القرن العشرين، عندما أصبح من الواضح أن المتحف المصري القديم في ميدان التحرير، رغم أهميته التاريخية، لم يعد قادرًا على استيعاب المجموعات الأثرية المتزايدة لمصر، أو توفير الظروف المثلى لعرضها وحفظها. كان هناك حاجة ماسة لمرفق حديث يضم أحدث التقنيات في العرض المتحفي والحفظ، ويوفر تجربة غامرة للزوار. وقع الاختيار على موقع استراتيجي بالقرب من الأهرامات لربط المتحف مباشرة بأحد عجائب الدنيا السبع القديمة، مما يعزز التجربة الثقافية للزائر. بدأ العمل في المشروع في أوائل الألفية الجديدة، وشهد تحديات متعددة وتأخيرات في الجدول الزمني، لكن الرؤية ظلت ثابتة: إنشاء مركز ثقافي عالمي يعكس مكانة مصر الحضارية.
كنوز لا تقدر بثمن: رحلة عبر الزمن
يعد المتحف المصري الكبير موطنًا لأكثر من 100 ألف قطعة أثرية، العديد منها يُعرض للمرة الأولى. لكن أبرز المعروضات وأكثرها جذبًا للاهتمام هي:
- مجموعة توت عنخ آمون الكاملة: للمرة الأولى في التاريخ، سيتم عرض جميع كنوز الملك الذهبي، التي يزيد عددها عن 5000 قطعة، في مكان واحد. وتشمل هذه المجموعة الأقنعة الذهبية الشهيرة، والتوابيت، والمجوهرات، والعروش، والعربات الحربية، وحتى متعلقاته الشخصية التي رافقته في رحلته إلى العالم الآخر. يتيح هذا العرض الشامل للزوار فرصة فريدة لاستكشاف تفاصيل حياة وموت هذا الفرعون الشاب وتفاصيل الحضارة المصرية القديمة في عهده.
- مركب خوفو الشمسي: تم نقل المركب الثاني للملك خوفو، الذي يعود عمره إلى 4600 عام، في عملية هندسية معقدة ومذهلة إلى مبنى مخصص له داخل المتحف. هذا المركب الخشبي، الذي اكتشف مفككًا بجوار الهرم الأكبر، يرمز إلى المعتقدات المصرية القديمة حول رحلة الروح في الحياة الآخرة، ويقدم نظرة عميقة على براعة المصريين القدماء في بناء السفن.
بالإضافة إلى هذه المعروضات الرئيسية، يضم المتحف قاعات عرض ضخمة تضم تماثيل ملكية ضخمة، ولوحات جدارية، ومومياوات، وآلاف القطع الأثرية التي تغطي عصورًا مختلفة من تاريخ مصر القديم، من عصور ما قبل الأسرات وحتى العصر الروماني.
إشادة عالمية وإبداع معماري
لم يقتصر اهتمام الصحف العالمية على المعروضات الأثرية فحسب، بل امتد ليشمل تصميم المتحف المعماري المبتكر. فالمبنى، الذي صممه المعماريون الأيرلنديون Heneghan Peng Architects، يجمع بين الحداثة والعناصر المستوحاة من العمارة المصرية القديمة. يتميز بهندسته المفتوحة، واستخدام الضوء الطبيعي، والإطلالات البانورامية على أهرامات الجيزة. وقد أشادت التقارير الإعلامية الدولية بهذه العبقرية المعمارية، مؤكدة أنه ليس مجرد متحف، بل هو عمل فني في حد ذاته، يجسد طموح مصر الحديثة في تكريم تاريخها العظيم. كما سلطت الضوء على مرافقه المتطورة، بما في ذلك معامل الترميم على أحدث طراز، والمكتبات الرقمية، والمناطق التفاعلية التي تعزز تجربة الزوار.
الأثر الثقافي والاقتصادي
من المتوقع أن يكون للمتحف المصري الكبير أثر اقتصادي وثقافي هائل على مصر. فبصفته وجهة سياحية عالمية رئيسية، سيسهم بشكل كبير في تنشيط قطاع السياحة، وجذب ملايين الزوار سنويًا، مما يدعم الاقتصاد الوطني ويوفر فرص عمل. وعلى الصعيد الثقافي، سيعمل المتحف كمركز تعليمي وبحثي عالمي، يعزز فهم الحضارة المصرية القديمة ويحافظ على تراثها للأجيال القادمة. إنه يمثل نقطة التقاء بين الماضي العظيم والمستقبل الواعد، وشهادة على قدرة مصر على الجمع بين أصالة تاريخها وروح العصر الحديث في مشروع يثير فخر المصريين وإعجاب العالم أجمع.





