الموقف الأمريكي: دعوة لوقف النار في غزة مع تأييد لرد إسرائيلي مدروس
تجد الولايات المتحدة نفسها في خضم معادلة دبلوماسية معقدة في الشرق الأوسط، حيث تسعى جاهدة لتحقيق هدفين متزامنين يبدوان متناقضين في بعض الأحيان. فمن جهة، تكثف واشنطن ضغوطها من أجل التوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة لأسباب إنسانية وإطلاق سراح الرهائن. ومن جهة أخرى، تؤكد على دعمها لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، لا سيما في أعقاب الهجوم الإيراني الأخير، مع منحها ما وصف بأنه "ضوء أخضر" لرد عسكري مدروس ومحسوب لا يؤدي إلى تفجر صراع إقليمي واسع النطاق.

السياق العام للتوتر الإقليمي
تصاعدت التوترات بشكل كبير في المنطقة خلال الأسابيع القليلة الماضية. بدأت الأزمة الأخيرة بعد غارة جوية نُسبت إلى إسرائيل استهدفت مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق في الأول من أبريل، مما أسفر عن مقتل قادة بارزين في الحرس الثوري الإيراني. رداً على ذلك، شنت إيران هجوماً مباشراً وغير مسبوق على إسرائيل باستخدام مئات الطائرات المسيرة والصواريخ، في خطوة غيرت قواعد الاشتباك السائدة بين البلدين. وقد تمكنت الدفاعات الجوية الإسرائيلية، بمساعدة الولايات المتحدة وحلفاء آخرين، من اعتراض الغالبية العظمى من المقذوفات، مما حال دون وقوع أضرار جسيمة.
الموقف الأمريكي المزدوج
في أعقاب هذه التطورات، برز الموقف الأمريكي ذو المسارين بشكل واضح. المسار الأول يركز على احتواء الصراع ومنع تحوله إلى حرب إقليمية شاملة. أبلغ الرئيس الأمريكي جو بايدن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن الولايات المتحدة لن تشارك في أي عمليات هجومية ضد إيران، وحث إسرائيل على "أخذ النصر" المتمثل في نجاح الدفاعات الجوية وعدم التصعيد. فكرة "الرد المحسوب" التي تدعمها واشنطن تعني رداً يحفظ لإسرائيل قوة ردعها دون أن يستفز رداً إيرانياً مضاداً يؤجج الصراع.
أما المسار الثاني، فيتعلق بالحرب المستمرة في غزة، والتي تعتبرها الإدارة الأمريكية المحرك الأساسي لعدم الاستقرار في المنطقة. وتواصل واشنطن جهودها الدبلوماسية عبر وسطاء مثل مصر وقطر للتوصل إلى اتفاق يتضمن:
- وقفاً فورياً لإطلاق النار لمدة ستة أسابيع على الأقل.
- إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين المحتجزين لدى حماس.
- إطلاق سراح أسرى فلسطينيين من السجون الإسرائيلية.
- زيادة كبيرة في حجم المساعدات الإنسانية التي تدخل إلى قطاع غزة.
التطورات الدبلوماسية الأخيرة
على الصعيد الدولي، قادت الولايات المتحدة جهوداً دبلوماسية لحشد موقف موحد. وعقب الهجوم الإيراني، عقد قادة مجموعة السبع (G7) اجتماعاً طارئاً أدانوا فيه الهجوم الإيراني وطالبوا جميع الأطراف بضبط النفس. كما تجري مناقشات حول فرض عقوبات جديدة على إيران تستهدف برامجها للصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، بالإضافة إلى الكيانات التي تدعم الحرس الثوري. وتستمر الاتصالات رفيعة المستوى بين المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين بهدف تنسيق الخطوات التالية وضمان عدم خروج الأمور عن السيطرة.
الأهمية والتداعيات المحتملة
تكمن أهمية الموقف الأمريكي الحالي في محاولته منع سيناريو كارثي قد يجر الشرق الأوسط بأكمله إلى حرب مدمرة. فأي رد إسرائيلي غير محسوب قد يؤدي إلى رد فعل إيراني أقوى، مما يدخل المنطقة في حلقة مفرغة من العنف يصعب إيقافها. هذا الوضع يختبر قدرة الدبلوماسية الأمريكية على الموازنة بين دعم حليفها الاستراتيجي، إسرائيل، ومصلحتها الأوسع في الحفاظ على الاستقرار الإقليمي وتجنب التورط في صراع عسكري جديد. وتبقى نتائج هذه الجهود غير مؤكدة، حيث يعتمد مسار الأحداث بشكل كبير على القرارات التي ستتخذها إسرائيل وإيران في الأيام القادمة.





