الولايات المتحدة تتولى دورًا مباشرًا في إيصال المساعدات لغزة عبر ممر بحري جديد
في تحول ملحوظ للاستجابة الإنسانية الدولية للأزمة في قطاع غزة، بدأت الولايات المتحدة بتنفيذ خطة طموحة لإنشاء ممر بحري لإيصال المساعدات مباشرة إلى شواطئ القطاع. تأتي هذه الخطوة، التي تم الإعلان عنها في الأسابيع الأخيرة، كرد فعل على التدهور الحاد في الأوضاع الإنسانية والتحذيرات الدولية المتصاعدة من مجاعة وشيكة، فضلاً عن الصعوبات الهائلة التي تواجه إيصال المساعدات عبر المعابر البرية التقليدية.

خلفية الأزمة والمعابر البرية
منذ بدء الصراع في أكتوبر 2023، اعتمد إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة بشكل شبه كامل على معبري رفح مع مصر وكرم أبو سالم مع إسرائيل. إلا أن هذه المسارات واجهت تحديات مستمرة أدت إلى تباطؤ شديد في تدفق الإمدادات الحيوية. تشمل هذه العقبات الإجراءات الأمنية والتفتيشية المعقدة التي تفرضها السلطات الإسرائيلية، والقيود على عدد الشاحنات المسموح بدخولها يوميًا، بالإضافة إلى التحديات اللوجستية والأمنية داخل القطاع نفسه لتوزيع المساعدات على السكان المحتاجين، مما جعل الكميات التي تصل أقل بكثير من الاحتياجات اليومية المقدرة من قبل منظمات الإغاثة الدولية.
تفاصيل المبادرة الأمريكية البحرية
لمواجهة هذه العقبات، أعلنت إدارة الرئيس جو بايدن عن عملية عسكرية لوجستية لإنشاء رصيف بحري عائم ومؤقت قبالة ساحل غزة. يُعرف هذا المشروع باسم (JLOTS) أو "الخدمات اللوجستية المشتركة فوق الشاطئ"، ويهدف إلى توفير نقطة وصول إضافية ومستقلة للمساعدات.
تتمثل آلية العمل في المراحل التالية:
- يتم تجميع وشحن المساعدات الإنسانية من ميناء لارنكا في قبرص، حيث تخضع لعمليات تفتيش أمنية بمشاركة دولية وإسرائيلية.
- تُنقل الشحنات عبر سفن تجارية كبيرة إلى منصة عائمة ضخمة تبنيها القوات الأمريكية على بعد عدة كيلومترات من ساحل غزة.
- في المنصة العائمة، يتم نقل المساعدات إلى سفن دعم لوجستي أصغر تابعة للجيش الأمريكي.
- تقوم هذه السفن الصغيرة بنقل الإمدادات إلى جسر عائم مؤقت (رصيف) يتم تثبيته على شاطئ غزة، مما يسمح بتفريغ الشاحنات مباشرة على اليابسة.
أكد المسؤولون الأمريكيون أن هذه العملية، التي يشارك في بنائها حوالي 1,000 جندي أمريكي، لن تتضمن أي وجود لقوات أمريكية على الأرض في غزة. ومن المتوقع أن تبدأ العملية بقدرة استيعابية تصل إلى 90 شاحنة يوميًا، مع إمكانية زيادتها إلى 150 شاحنة لاحقًا.
الأهمية والسياق السياسي
يمثل هذا التدخل الأمريكي المباشر اعترافًا ضمنيًا بفشل الآليات القائمة في تلبية الاحتياجات الإنسانية العاجلة، ويعكس تزايد الضغوط الدولية والمحلية على واشنطن لاتخاذ إجراءات أكثر حزمًا لتخفيف معاناة المدنيين في غزة. كما يُنظر إليه على أنه وسيلة للولايات المتحدة لتجاوز بعض القيود التي تفرضها إسرائيل على المعابر البرية، وتأكيد دورها كفاعل رئيسي في الجهود الإغاثية. ورغم أن الولايات المتحدة لا تزال أكبر داعم عسكري لإسرائيل، إلا أن هذه الخطوة تُظهر وجود خلافات متزايدة بين الحليفين بشأن إدارة الأزمة الإنسانية.
التحديات المستقبلية وردود الفعل
على الرغم من الترحيب المبدئي بأي جهد لزيادة تدفق المساعدات، أثارت المبادرة تساؤلات وتحديات كبيرة. القضية الأبرز هي أمن وتوزيع المساعدات بمجرد وصولها إلى الشاطئ. فقد أكدت منظمات إغاثية، مثل برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، أن ضمان وصول المساعدات بأمان إلى المدنيين في مختلف أنحاء القطاع يتطلب تنسيقًا أمنيًا معقدًا وبيئة عمل آمنة، وهو أمر يصعب تحقيقه في ظل استمرار العمليات العسكرية. كما شددت هذه المنظمات على أن الممرات البحرية والجوية لا يمكن أن تكون بديلاً عن الطرق البرية، التي تظل الوسيلة الأكثر كفاءة وفعالية لإيصال المساعدات على نطاق واسع. من جانبها، أبدت إسرائيل دعمها للممر البحري، الذي قد يساهم في تخفيف الضغط الدولي عليها، مع احتفاظها بالسيطرة الكاملة على المعابر البرية.





