الولايات المتحدة وأوزبكستان تعززان شراكتهما باتفاقيات استثمارية واقتصادية بمليارات الدولارات
في خطوة بارزة تعكس تنامي العلاقات بين واشنطن وطشقند، أعلنت الولايات المتحدة وأوزبكستان عن حزمة من الاتفاقيات والشراكات الاقتصادية والاستثمارية الجديدة التي تقدر قيمتها بمليارات الدولارات. تأتي هذه التطورات، التي تم الكشف عنها خلال الأشهر الأخيرة، في أعقاب جولات مكثفة من الحوار الاستراتيجي بين البلدين، وتهدف إلى ترسيخ التعاون في قطاعات حيوية وتعزيز الاستقرار الاقتصادي في منطقة آسيا الوسطى.

خلفية الشراكة الاستراتيجية
شهدت العلاقات بين الولايات المتحدة وأوزبكستان تحولاً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، خاصة منذ تولي الرئيس شوكت ميرضيايف السلطة عام 2016 وبدء مسار من الإصلاحات الاقتصادية والسياسية واسعة النطاق. عملت هذه الإصلاحات على فتح أبواب الاقتصاد الأوزبكي أمام الاستثمار الأجنبي، مما جعل البلاد شريكاً أكثر جاذبية للقوى الاقتصادية العالمية، بما في ذلك الولايات المتحدة.
يأتي الإعلان الأخير تتويجاً لسلسلة من اللقاءات رفيعة المستوى ضمن إطار "الحوار الاستراتيجي" السنوي بين البلدين. يمثل هذا الحوار المنصة الرئيسية لمناقشة القضايا ذات الاهتمام المشترك، والتي تشمل الأمن الإقليمي، وحقوق الإنسان، والتعاون الاقتصادي. وتنظر واشنطن إلى أوزبكستان كلاعب محوري في استراتيجيتها لمنطقة آسيا الوسطى، المعروفة بصيغة "C5+1"، والتي تهدف إلى تعزيز سيادة واستقلال دول المنطقة في مواجهة نفوذ قوى إقليمية أخرى.
أبرز مجالات التعاون والاتفاقيات الجديدة
ترتكز الشراكات الجديدة على مجموعة متنوعة من القطاعات التي تمثل أولوية لكلا البلدين، وتهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة وتحديث البنية التحتية في أوزبكستان. وتلعب مؤسسات أمريكية مثل مؤسسة تمويل التنمية الدولية (DFC) والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) دوراً رئيسياً في تمويل وتسهيل هذه المشاريع.
تشمل أهم مجالات التعاون ما يلي:
- الطاقة المتجددة: تم توقيع اتفاقيات مهمة لتطوير مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، بهدف مساعدة أوزبكستان على تنويع مصادر طاقتها وتقليل اعتمادها على الوقود الأحفوري، والمساهمة في تحقيق أهدافها المناخية.
- الزراعة والتكنولوجيا الزراعية: تهدف المشاريع المشتركة إلى تحديث القطاع الزراعي في أوزبكستان من خلال إدخال التكنولوجيا الأمريكية المتقدمة، وتحسين إدارة الموارد المائية، وتعزيز الأمن الغذائي.
- الاقتصاد الرقمي والاتصالات: تسعى الولايات المتحدة لدعم التحول الرقمي في أوزبكستان من خلال الاستثمار في البنية التحتية للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، مما يفتح آفاقاً جديدة للشركات الناشئة ويعزز التجارة الإلكترونية.
- النقل والخدمات اللوجستية: هناك تركيز كبير على تطوير ممرات النقل التي تربط آسيا الوسطى بالأسواق العالمية، مثل "الممر الأوسط"، كبديل للطرق التجارية التقليدية، وهو ما يخدم المصالح الاستراتيجية للجانبين.
- المعادن الحيوية: يعد التعاون في مجال استكشاف وتعدين المعادن النادرة والحيوية من أبرز نقاط الاهتمام، نظراً لأهميتها في الصناعات التكنولوجية المتقدمة وسلاسل التوريد العالمية.
الأهمية الاقتصادية والجيوسياسية
تحمل هذه الاتفاقيات أهمية تتجاوز قيمتها المالية. فعلى الصعيد الاقتصادي، تمثل فرصة لأوزبكستان لجذب رأس المال والتكنولوجيا اللازمين لتحديث اقتصادها وخلق فرص عمل جديدة وتحسين مستوى معيشة مواطنيها. كما أنها تساهم في تعزيز ثقة المستثمرين الدوليين في بيئة الأعمال الأوزبكية.
من منظور جيوسياسي، تمثل هذه الشراكة جزءاً من استراتيجية أمريكية أوسع لتعزيز حضورها في آسيا الوسطى، وهي منطقة ذات أهمية استراتيجية متزايدة. من خلال تعميق الروابط الاقتصادية، تسعى واشنطن إلى تقديم نموذج بديل للتنمية يعتمد على الشفافية والقطاع الخاص، وذلك في منطقة تتنافس فيها على النفوذ كل من روسيا والصين. ويرى محللون أن دعم استقلال أوزبكستان الاقتصادي يصب في مصلحة الاستقرار الإقليمي على المدى الطويل.
الخطوات المستقبلية والتطلعات
أكد المسؤولون من كلا البلدين أن الاتفاقيات التي تم الإعلان عنها مؤخراً هي مجرد بداية لمرحلة جديدة من التعاون المكثف. ومن المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة متابعة حثيثة لتنفيذ المشاريع المتفق عليها، بالإضافة إلى استكشاف فرص جديدة في مجالات أخرى مثل التعليم والرعاية الصحية. كما يخطط البلدان لتعزيز الروابط بين شعوبهما من خلال برامج التبادل الثقافي والأكاديمي.
في الختام، يمثل هذا الدعم الاستثماري الأمريكي الضخم لأوزبكستان علامة فارقة في العلاقات الثنائية، ويعكس اعترافاً بأهمية الإصلاحات التي تشهدها البلاد ودورها المتنامي على الساحة الإقليمية. ومع استمرار هذه الشراكة، يتطلع الطرفان إلى بناء مستقبل قائم على الرخاء المتبادل والمصالح المشتركة.





