الولايات المتحدة تعزز وجودها التنسيقي في غزة للإشراف على المساعدات وضمان اتفاق الهدنة
في خطوة تعكس انخراطاً أميركياً أعمق في الأزمة المستمرة في قطاع غزة، تعمل إدارة الرئيس جو بايدن على تعزيز وجودها التنسيقي المرتبط بالقطاع. ويأتي هذا التحرك، الذي وردت تفاصيله في تقارير إعلامية نقلاً عن مسؤولين أميركيين، في وقت حاسم يتزامن مع جهود دبلوماسية مكثفة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية التي تشتد الحاجة إليها.

خلفية التحرك الأميركي
منذ اندلاع الصراع في أكتوبر الماضي، واجهت الجهود الدولية صعوبات بالغة في إيصال المساعدات الكافية إلى سكان غزة بسبب التحديات اللوجستية والقيود الأمنية. وفي ظل تفاقم الأزمة الإنسانية، كثفت واشنطن ضغوطها الدبلوماسية وبدأت في تنفيذ مبادرات مباشرة، أبرزها إنشاء رصيف بحري مؤقت لتسهيل وصول المساعدات عبر البحر. هذا الوجود المعزز ليس عسكرياً بالمعنى التقليدي، حيث أكدت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) مراراً أنه لن تكون هناك قوات أميركية على الأرض في غزة، بل يركز على الأدوار اللوجستية والدبلوماسية والتنسيقية.
تفاصيل الدور التنسيقي
يتخذ الوجود الأميركي المعزز أشكالاً متعددة، ويتركز في مناطق استراتيجية خارج القطاع ولكن على مقربة منه، بهدف إدارة العمليات المعقدة المتعلقة بالمساعدات والمفاوضات. يمكن تقسيم هذا الدور إلى محورين رئيسيين:
- المحور الإنساني: يشمل إدارة وتشغيل الرصيف البحري المؤقت قبالة سواحل غزة. يتولى فريق تنسيق أميركي، يتمركز في قبرص وعلى متن سفن بحرية، فحص وتنسيق شحنات المساعدات القادمة من مختلف الدول قبل نقلها إلى الرصيف ومنه إلى منظمات الإغاثة الدولية العاملة في القطاع. يهدف هذا الجهد إلى فتح ممر إضافي للمساعدات يتجاوز المعابر البرية المكتظة.
- المحور الدبلوماسي والأمني: يتألف من فرق دبلوماسية وأمنية تعمل بشكل وثيق مع الشركاء الإقليميين، خاصة مصر وقطر، لدفع مفاوضات وقف إطلاق النار وتبادل المحتجزين. كما يقوم خبراء أميركيون بالتنسيق مع الجيش الإسرائيلي لضمان أمن عمال الإغاثة وتحديد ممرات آمنة لتوزيع المساعدات داخل غزة، وهي عملية تُعرف بـ "تخفيف التعارض".
الأهداف والأهمية الاستراتيجية
ترى واشنطن أن تعزيز وجودها التنسيقي ضروري لعدة أسباب. أولاً، يهدف إلى ضمان فعالية المبادرات التي تقودها، مثل الرصيف البحري، والتأكد من وصول المساعدات إلى مستحقيها دون عوائق. ثانياً، يعكس هذا التحرك رغبة الإدارة الأميركية في ممارسة رقابة مباشرة على تنفيذ أي اتفاق يتم التوصل إليه، لضمان التزام جميع الأطراف ببنوده، سواء فيما يتعلق بوقف الأعمال العدائية أو إطلاق سراح المحتجزين.
من الناحية الاستراتيجية، يمنح هذا الدور الولايات المتحدة نفوذاً أكبر على الأرض ويسمح لها بالاستجابة السريعة لأي تطورات طارئة. كما أنه يبعث برسالة إلى جميع الأطراف بأن واشنطن ملتزمة بشكل مباشر بتحقيق الاستقرار في المنطقة ومنع انهيار الوضع الإنساني بشكل كامل.
التحديات والتوقعات المستقبلية
على الرغم من أهمية هذا الدور، فإنه يواجه تحديات كبيرة. فالوضع الأمني الهش في غزة ومحيطها يعرض للخطر كلاً من العاملين في المجال الإنساني والبنية التحتية اللوجستية، كما ظهر في التوقفات المتكررة لعمل الرصيف البحري بسبب الظروف الجوية أو المخاوف الأمنية. بالإضافة إلى ذلك، لا يزال نجاح المسار الدبلوماسي مرهوناً بوجود إرادة سياسية حقيقية لدى طرفي النزاع للتوصل إلى تسوية.
وفي ظل استمرار المباحثات، يُنظر إلى الوجود التنسيقي الأميركي كعنصر أساسي في أي سيناريو مستقبلي، سواء كان ذلك للإشراف على هدنة مؤقتة أو للمساهمة في جهود إعادة الإعمار وتحقيق الاستقرار على المدى الطويل في مرحلة ما بعد الصراع.





