بكين توجه تحذيراً لواشنطن: توحيد الصين وتايوان مسار تاريخي لا يمكن وقفه
أكدت الصين، على لسان وزير دفاعها، أن ما تعتبره إعادة توحيدها مع تايوان هو “اتجاه تاريخي لا يمكن إيقافه”، وذلك في تحذير موجه بشكل ضمني وصريح للولايات المتحدة. هذه التصريحات القوية جاءت خلال محادثات رفيعة المستوى جرت في آسيا مؤخرًا، حيث شددت بكين على أن أي محاولات لعرقلة هذا المسار مصيرها الفشل.

تُشكل قضية تايوان نقطة حساسة ومحورية في العلاقات الصينية-الأمريكية، بل وفي المشهد الجيوسياسي العالمي. وتنظر بكين إلى تايوان على أنها إقليم منشق يجب أن يعود إلى سيطرتها، حتى لو تطلب الأمر استخدام القوة، رغم أنها تفضل “إعادة التوحيد السلمي”. بينما تتمتع تايوان بحكومة ديمقراطية منتخبة ذاتيًا وتعتبر نفسها كيانًا مستقلًا فعليًا.
الخلفية التاريخية والسياسية
تعود جذور هذه القضية إلى الحرب الأهلية الصينية التي انتهت عام 1949، عندما فرت القوات القومية (الكومينتانغ) بقيادة شيانغ كاي شيك إلى تايوان بعد هزيمتها أمام الشيوعيين بقيادة ماو تسي تونغ، مؤسسين “جمهورية الصين” هناك. في المقابل، أعلنت بكين تأسيس “جمهورية الصين الشعبية” على البر الرئيسي. ومنذ ذلك الحين، تدّعي بكين السيادة على تايوان بموجب مبدأ “الصين الواحدة”، الذي ينص على وجود صين واحدة فقط في العالم وأن تايوان جزء لا يتجزأ منها. وتعتبر بكين أن أي خطوة من تايوان نحو الاستقلال الرسمي هي تجاوز لـ “الخطوط الحمراء” وقد تستدعي ردًا عسكريًا.
موقف واشنطن ودورها
تتبع الولايات المتحدة الأمريكية سياسة “الصين الواحدة” منذ عقود، التي تعترف ببكين كحكومة شرعية للصين، لكنها في الوقت ذاته تحافظ على علاقات غير رسمية قوية مع تايوان. تُعرف هذه السياسة بـ “الغموض الاستراتيجي”، حيث لا تحدد واشنطن بشكل قاطع ما إذا كانت ستتدخل عسكريًا للدفاع عن تايوان في حال تعرضها لهجوم صيني. ومع ذلك، تلتزم الولايات المتحدة بموجب “قانون العلاقات مع تايوان” بتزويد الجزيرة بوسائل للدفاع عن النفس، وقد زادت مبيعات الأسلحة الأمريكية لتايوان بشكل كبير في السنوات الأخيرة.
ترى بكين في هذا الدعم الأمريكي لتايوان تدخلًا في شؤونها الداخلية وتشجيعًا لقوى الاستقلال في الجزيرة. وغالبًا ما تنتقد الصين زيارات المسؤولين الأمريكيين رفيعي المستوى إلى تايوان أو صفقات الأسلحة الجديدة، معتبرة إياها انتهاكًا لسيادة الصين.
التصريحات الصينية الأخيرة والتصعيد
تأتي التصريحات الأخيرة لوزير الدفاع الصيني، دونج جون، لتؤكد مجددًا على موقف بكين الصارم تجاه تايوان. وقد أدلى دونج بهذه التصريحات خلال منتدى حوار شانغريلا الأمني الأخير، وهو تجمع سنوي لقادة الدفاع والأمن من جميع أنحاء العالم يعقد في سنغافورة. وحذر دونج من أن محاولات الانفصال في تايوان، بدعم خارجي، تدفع الجزيرة نحو “الخطر”. وقد صاحبت هذه التصريحات زيادات ملحوظة في الأنشطة العسكرية الصينية حول تايوان، بما في ذلك مناورات بحرية وجوية واسعة النطاق، والتي يُنظر إليها على أنها رسائل تحذيرية موجهة لكل من تايبيه وواشنطن.
تستخدم الصين مجموعة من الأدوات للضغط على تايوان، تشمل:
- المناورات العسكرية المتكررة: إظهار القدرات العسكرية لبكين وقدرتها على عزل الجزيرة.
- الضغط الدبلوماسي: تقليل عدد الدول التي تعترف بتايوان رسميًا.
- الضغط الاقتصادي: فرض قيود تجارية على المنتجات التايوانية.
تداعيات الموقف
يمثل التوتر المتصاعد حول تايوان تهديدًا خطيرًا للاستقرار الإقليمي والعالمي. أي صراع في مضيق تايوان سيكون له تداعيات اقتصادية وجيوسياسية هائلة، نظرًا لأهمية تايوان كمنتج رئيسي لأشباه الموصلات الحيوية للعالم. كما أنه قد يجر قوى عالمية أخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة مثل اليابان وأستراليا، إلى صراع محتمل.
تُظهر التحذيرات الصينية الأخيرة تصميم بكين على تحقيق هدف “إعادة التوحيد”، وتُرسل رسالة واضحة لواشنطن بأنها لن تتسامح مع ما تعتبره تدخلًا في شؤونها الداخلية أو دعمًا للانفصالية التايوانية. ومع بقاء تايوان مصممة على الدفاع عن ديمقراطيتها وحق شعبها في تقرير المصير، تستمر هذه القضية في كونها واحدة من أبرز النقاط الساخنة على الساحة الدولية.





