تحديات جديدة تهدد اتفاقية الغاز بين مصر وإسرائيل
تواجه اتفاقية توسيع صادرات الغاز الطبيعي من إسرائيل إلى مصر عقبات جدية قد تعرقل مسارها، وذلك في أعقاب تحفظات أبداها وزير الطاقة الإسرائيلي، إيلي كوهين، ورفضه منح الموافقة النهائية اللازمة لزيادة كميات التصدير. هذا الموقف، الذي تم الإعلان عنه مؤخراً، يضع الصفقة الاستراتيجية في حالة من عدم اليقين، ويثير قلقاً لدى الأطراف الإقليمية والدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة والشركات المستثمرة في حقول الغاز الإسرائيلية.

خلفية الاتفاق وأهميته الاستراتيجية
تعتبر هذه الاتفاقية جزءاً من خطة أوسع تهدف إلى تعزيز مكانة شرق المتوسط كمصدر موثوق للطاقة لأوروبا. بموجب التفاهمات، تقوم إسرائيل بزيادة كميات الغاز المصدرة من حقليها الرئيسيين، تمار ولوياثان، إلى مصر. وفي المقابل، تقوم مصر باستخدام بنيتها التحتية المتميزة، ممثلة في محطتي الإسالة في إدكو ودمياط، لتحويل الغاز الطبيعي إلى غاز مسال (LNG) قبل شحنه إلى الأسواق الأوروبية. وقد اكتسبت هذه الخطة أهمية مضاعفة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، حيث سعى الاتحاد الأوروبي جاهداً لتنويع مصادر إمداداته وتقليل اعتماده على الطاقة الروسية.
تحمل الاتفاقية أهمية استراتيجية واقتصادية كبيرة لجميع الأطراف المعنية. فبالنسبة لإسرائيل، تمثل عوائد مالية ضخمة وتعزز من نفوذها الجيوسياسي كلاعب رئيسي في سوق الطاقة الإقليمي. أما بالنسبة لمصر، فهي ترسخ دورها كمركز إقليمي لتجارة وتداول الطاقة، وتستفيد من رسوم التشغيل والعبور، فضلاً عن تلبية جزء من احتياجات السوق المحلي. أما أوروبا، فتعتبر هذه الصفقة خطوة حيوية نحو تحقيق أمن الطاقة.
أسباب الخلاف وموقف وزير الطاقة
تتمحور العقبة الرئيسية الحالية حول موقف وزير الطاقة الإسرائيلي، إيلي كوهين، الذي يرى ضرورة إعادة تقييم شروط الاتفاقية قبل المضي قدماً. وتتلخص مبرراته في عدة نقاط رئيسية:
- ضمان أمن الطاقة المحلي: يشدد الوزير على أن الأولوية القصوى يجب أن تكون لتأمين احتياجات إسرائيل من الطاقة على المدى الطويل، معتبراً أن أي توسع كبير في التصدير يجب أن يأتي بعد التأكد من وجود احتياطيات كافية للأجيال القادمة.
- الشروط المالية للصفقة: هناك قناعة لدى الوزير وفريقه بأن الأسعار المتفق عليها لتصدير الغاز قد لا تكون عادلة بما فيه الكفاية ولا تعكس قيمته الحقيقية في الأسواق العالمية الحالية، مما يعني أن إسرائيل قد لا تحصل على العائد الاقتصادي الأمثل من مواردها الطبيعية.
- غياب استراتيجية شاملة: يدعو كوهين إلى ضرورة وضع سياسة وطنية متكاملة وواضحة لإدارة موارد الغاز الطبيعي، بدلاً من اتخاذ قرارات فردية بشأن كل صفقة على حدة، لضمان تحقيق أقصى فائدة للدولة.
ضغوط دولية وتأثيرات محتملة
أثار الموقف الإسرائيلي اهتماماً دولياً، خاصة من جانب الولايات المتحدة التي لعبت دوراً محورياً في تسهيل التعاون الإقليمي في مجال الطاقة. وتفيد التقارير بأن الإدارة الأمريكية، عبر مبعوثيها مثل كبير مستشاري الطاقة عاموس هوكستين، تمارس ضغوطاً دبلوماسية لحث الحكومة الإسرائيلية على تجاوز هذه العقبات وإتمام الصفقة، نظراً لأهميتها في دعم استقرار المنطقة ومساعدة الحلفاء الأوروبيين.
على الجانب الآخر، تضغط شركات الطاقة الكبرى المستثمرة في المشروع، وعلى رأسها شركة شيفرون التي تشغل الحقول الرئيسية، من أجل الحصول على الموافقات اللازمة. فهذه الشركات استثمرت مليارات الدولارات في تطوير البنية التحتية، وأي تأخير يهدد خططها الاستثمارية المستقبلية وعوائدها المالية. وفي الوقت نفسه، تراقب القاهرة التطورات عن كثب، حيث أن أي تعثر في الاتفاقية سيؤثر سلباً على خططها الاقتصادية ودورها كحلقة وصل حيوية في سلسلة إمداد الطاقة إلى أوروبا.
يبقى مستقبل الاتفاقية مرهوناً بالمشاورات الداخلية في إسرائيل والقدرة على إيجاد صيغة توازن بين الاعتبارات الاقتصادية والسياسية ومتطلبات أمن الطاقة. وقد يتطلب الأمر إعادة التفاوض على بعض البنود لضمان موافقة جميع الأطراف المعنية والمضي قدماً في هذا المشروع الاستراتيجي الهام للمنطقة بأكملها.





