تحذيرات بشأن شات جي بي تي وتأثيره على الزواج: كيف يمكن أن يهدد الذكاء الاصطناعي استقرار العلاقات الزوجية؟
أثارت التقارير الأخيرة قلقًا متزايدًا حول التأثير المحتمل لأدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي، مثل شات جي بي تي (ChatGPT)، على العلاقات الإنسانية، وتحديدًا الروابط الزوجية. تبرز هذه التحذيرات في سياق حادثة مفجعة تناقلتها العديد من وسائل الإعلام العالمية، وتحديدًا مجلة Futurism المتخصصة في العلوم والتكنولوجيا، حيث يروي زوج تفاصيل انفصاله عن زوجته بعد أن تدخل الذكاء الاصطناعي في لحظة حساسة من حياتهما الأسرية، ما ألقى الضوء على دور هذه التقنيات في تفكيك استقرار العلاقات الزوجية.

خلفية القصة المروعة
تدور أحداث القصة المروعة حول زوجين، كانا متزوجين لما يقارب خمسة عشر عامًا، ووجدا نفسيهما في خضم إجراءات الطلاق بعد أشهر قليلة من حادثة غريبة كشفت عن تغلغل التكنولوجيا في أدق تفاصيل حياتهما الشخصية. ففي خضم شجار حاد بين الزوجين، أقدم ابنهما البالغ من العمر عشر سنوات على كتابة رسالة مؤثرة يرجوهما فيها عدم الانفصال، وهي رسالة طبيعية ومتوقعة من طفل يخشى تفكك أسرته. لكن رد فعل الأم على هذه الرسالة هو ما شكل نقطة تحول حاسمة في العلاقة.
وفقًا لشهادة الزوج، بدلاً من التفاعل المباشر مع مشاعر ابنها وقلقه، لجأت الأم إلى استخدام روبوت محادثة ذكي، شات جي بي تي، لطلب صياغة رد على رسالة الطفل نيابة عنها. هذه الخطوة، التي قد تبدو للبعض مجرد محاولة لتخفيف العبء العاطفي، كانت بمثابة صدمة للزوج الذي رأى فيها استجابة باردة وغير إنسانية لقلق طفلهما. وصف الزوج هذا التصرف بأنه كان "رد فعلها الأول على قلق ابننا من احتمال طلاقنا"، ما يكشف عن تضاؤل القدرة على التفاعل العاطفي المباشر والاعتماد على الذكاء الاصطناعي في مواقف تتطلب أعمق أشكال التعاطف والتواصل البشري.
لم تكن علاقة الزوجين خالية من التحديات والمشاكل على مدار السنين، إلا أنها كانت مستقرة نسبيًا في الفترة التي سبقت هذه الحادثة. لكن دخول الذكاء الاصطناعي إلى هذا السياق العائلي الحساس كان بمثابة "الشرارة التي فجرت كل شيء"، مما أدى إلى تصعيد الخلافات وتلاشي الأمل في استمرار الزواج، وانتهى بهما المطاف في محكمة الأسرة.
الذكاء الاصطناعي كعامل هدام في العلاقات
تثير هذه القصة تساؤلات جدية حول الكيفية التي يمكن أن تؤثر بها أدوات الذكاء الاصطناعي، المصممة لتسهيل المهام وتوفير المعلومات، سلبًا على جوهر العلاقات الإنسانية. يرى خبراء العلاقات وعلم النفس أن الاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي في التعامل مع المواقف العاطفية يمكن أن يؤدي إلى:
- تدهور التواصل المباشر: عندما يلجأ الأفراد إلى الذكاء الاصطناعي لصياغة الرسائل أو الردود في المواقف الحساسة، فإنهم يتجنبون بذل الجهد اللازم للتعبير عن مشاعرهم وأفكارهم الخاصة، مما يضعف مهارات التواصل الأساسية في العلاقة.
- تآكل التعاطف والاتصال العاطفي: تتطلب العلاقات الزوجية قدرًا كبيرًا من التعاطف والفهم المتبادل. الاستعانة بالذكاء الاصطناعي في هذه المجالات قد يؤدي إلى فقدان اللمسة الإنسانية والقدرة على فهم واستيعاب مشاعر الشريك أو أفراد الأسرة بشكل عميق وحقيقي.
- بناء حواجز نفسية: استخدام أداة خارجية (مثل شات جي بي تي) كوسيط في التواصل العاطفي يمكن أن يخلق حواجز بين الشركاء، حيث يشعر أحد الطرفين بأن الآخر لا يبذل جهدًا كافيًا في العلاقة، أو أنه لا يعطي الأولوية للتعبير الأصيل عن المشاعر.
- الاعتماد المفرط: قد يصبح الأفراد معتادين على استخدام الذكاء الاصطناعي في مواجهة التحديات العاطفية، مما يقلل من قدرتهم على حل المشكلات بأنفسهم ويجعلهم أقل قدرة على إدارة الصراعات والتعبير عن الذات بصدق.
- مشاكل الثقة والشفافية: قد يرى الشريك الآخر استخدام الذكاء الاصطناعي في مثل هذه المواقف الحساسة على أنه نقص في الشفافية أو محاولة للتلاعب، مما يضر بالثقة التي تعد حجر الزاوية في أي علاقة زوجية صحية.
تداعيات واسعة وتوقعات مستقبلية
لا يقتصر تأثير الذكاء الاصطناعي على حالات الطلاق التي تنجم عن سوء الاستخدام المباشر في الأزمات. فمع الانتشار السريع لتقنيات الذكاء الاصطناعي في أواخر عام 2022 و أوائل عام 2023، بدأت تتزايد المخاوف من تأثيرها الأوسع على جميع جوانب الحياة الاجتماعية، بما في ذلك العلاقات العاطفية. يتخوف الخبراء من سيناريوهات مستقبلية قد تتضمن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي لاختيار الشركاء، أو حتى إنشاء "رفيق افتراضي" قد يحل محل العلاقات الحقيقية، ما يهدد بزيادة الشعور بالوحدة وتآكل الروابط الاجتماعية.
تحذر هذه التطورات من ضرورة التعامل بحذر مع هذه التقنيات، خاصة في السياقات التي تتطلب تفاعلاً بشريًا أصيلاً وعميقًا. ففي حين أن الذكاء الاصطناعي يقدم أدوات قوية لزيادة الإنتاجية وتسهيل الوصول إلى المعلومات، يجب أن يظل الوعي حاضرًا بأن جوهر العلاقات الإنسانية يكمن في التفاعل المباشر، والتعاطف، والجهد المشترك في بناء الفهم والثقة. تبقى قصة الزوجين المذكورة بمثابة تذكير صارخ بأن التقدم التكنولوجي، رغم منافعه، يتطلب منا فهمًا عميقًا لتداعياته على نسيج حياتنا الاجتماعية والعاطفية.



