تحركات مصر العسكرية في سيناء تثير قلقاً في إسرائيل وخبراء يحللون الأبعاد
تجددت النقاشات في الأوساط السياسية والأمنية الإسرائيلية مؤخراً حول حجم وطبيعة الوجود العسكري المصري في شبه جزيرة سيناء، والذي شهد تعزيزات كبيرة خلال العقد الماضي. وعلى الرغم من أن هذه التعزيزات تمت في كثير من الأحيان بتنسيق مع إسرائيل لمواجهة التهديدات الإرهابية المشتركة، إلا أن تقارير وتحليلات حديثة صادرة عن مراكز أبحاث إسرائيلية بدأت تعبر عن قلق متزايد من تحول هذا الوجود المؤقت إلى واقع دائم قد يغير من التوازنات الاستراتيجية التي أرستها اتفاقية السلام بين البلدين منذ عقود.

خلفية تاريخية: اتفاقية كامب ديفيد
تعتبر اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية الموقعة عام 1979، والمعروفة بـ اتفاقية كامب ديفيد، حجر الزاوية في العلاقات بين البلدين. تضمنت الاتفاقية ملحقاً أمنياً مفصلاً يقضي بجعل سيناء منطقة منزوعة السلاح إلى حد كبير لضمان أمن الحدود الإسرائيلية. وبموجب هذا الملحق، تم تقسيم سيناء إلى ثلاث مناطق رئيسية (أ، ب، ج) لكل منها قيود صارمة على نوع وعدد القوات والمعدات العسكرية المصرية المسموح بوجودها:
- المنطقة (أ): المتاخمة لقناة السويس غرباً، ويُسمح فيها بوجود فرقة مشاة ميكانيكية كاملة.
- المنطقة (ب): في وسط سيناء، ويُسمح فيها بوجود كتائب حدود مجهزة بأسلحة خفيفة فقط.
- المنطقة (ج): الملاصقة للحدود مع إسرائيل وقطاع غزة، وهي منطقة يُسمح فيها فقط بوجود قوات من الشرطة المدنية وأسلحتها الخفيفة.
وقد شكل هذا الترتيب الأمني أساساً للاستقرار بين البلدين لأكثر من ثلاثة عقود.
تطورات ما بعد 2011: مكافحة الإرهاب
شهدت سيناء بعد عام 2011 فراغاً أمنياً أدى إلى تصاعد نشاط الجماعات المتطرفة، وعلى رأسها تنظيم "أنصار بيت المقدس" الذي بايع لاحقاً تنظيم "داعش" وأطلق على نفسه اسم "ولاية سيناء". ولمواجهة هذا التهديد الخطير، الذي استهدف قوات الجيش والشرطة المصرية والمدنيين، وشكل أيضاً خطراً على أمن إسرائيل، اضطرت مصر إلى إدخال قوات عسكرية ومعدات ثقيلة إلى سيناء، بما في ذلك دبابات ومروحيات هجومية وطائرات مقاتلة، وهو ما يتجاوز بوضوح بنود اتفاقية السلام. تمت هذه الخطوات عبر قنوات تنسيق أمنية مشتركة، حيث وافقت إسرائيل على هذه التعزيزات الاستثنائية والمؤقتة انطلاقاً من المصلحة المشتركة في القضاء على الإرهاب وتأمين حدودهما.
مخاوف إسرائيلية حديثة
في الأشهر الأخيرة، ووفقاً لتقارير إعلامية وتحليلات من معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي (INSS)، بدأ القلق يظهر مجدداً. يرى محللون إسرائيليون أن ما بدأ كإجراءات مؤقتة لمكافحة الإرهاب تحول تدريجياً إلى وجود عسكري مصري دائم وواسع النطاق في سيناء. وتتركز المخاوف على أن الجيش المصري لم يعد يكتفي بمحاربة الإرهابيين، بل يقوم بتطوير بنية تحتية عسكرية دائمة، بما في ذلك مطارات وقواعد ومواقع محصنة، مما قد يغير الطابع الاستراتيجي للمنطقة على المدى الطويل. وينظر البعض في إسرائيل إلى هذا التطور باعتباره تآكلاً هادئاً للملحق الأمني لاتفاقية السلام، وهو ما يثير تساؤلات حول المستقبل.
تحليل الخبراء العسكريين
يشرح خبراء عسكريون أن الموقف معقد وله وجهان. من ناحية، تؤكد مصر أن تحركاتها تأتي في إطار ممارسة سيادتها على أراضيها وحقها في الدفاع عن أمنها القومي ضد تهديد وجودي، وأن هذه الإجراءات ضرورية لاستعادة الاستقرار في سيناء. ومن ناحية أخرى، يرى المحللون الإسرائيليون أن حجم القوات ونوعية الأسلحة قد تجاوز ما هو مطلوب لمكافحة جماعات إرهابية محدودة القدرات نسبياً. ومع ذلك، يتفق معظم المحللين على أن التنسيق الأمني بين مصر وإسرائيل لا يزال قوياً، وأن البلدين يدركان أهمية الحفاظ على السلام، لكن النقاش الدائر حالياً في إسرائيل يعكس رغبة في إعادة تقييم الوضع لضمان عدم المساس بالركائز الأمنية للاتفاقية على المدى البعيد، خاصة في ظل التوترات الإقليمية الحالية المتعلقة بالوضع في غزة ومحور فيلادلفيا.





