تحليل: كيف تُهدد حرب السودان بإشعال فوضى عالمية جديدة
منذ اندلاعه في أبريل 2023، تجاوز الصراع في السودان كونه مجرد حرب أهلية ليتحول إلى أزمة دولية معقدة تنذر بعواقب وخيمة على الاستقرار الإقليمي والعالمي. يشير تحليل للوضع، استنادًا إلى تقارير دولية، إلى أن الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع أصبحت ساحة لتصفية الحسابات بين قوى إقليمية ودولية، مما يهدد بتفكك الدولة وخلق بؤرة جديدة من الفوضى تمتد تداعياتها إلى ما هو أبعد من القرن الأفريقي.

خلفية الصراع: من الثورة إلى الحرب
تفجّر الصراع الحالي نتيجة لانهيار العلاقة بين قائد الجيش السوداني، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع، الفريق أول محمد حمدان دقلو "حميدتي". كان الرجلان شريكين في الانقلاب العسكري الذي أطاح بالحكومة الانتقالية في عام 2021، لكن الخلافات تصاعدت حول قضايا رئيسية، أبرزها خطة دمج قوات الدعم السريع في الجيش، وهو ما كان سيُنهي استقلالية قوات حميدتي. أدى هذا التوتر إلى اندلاع اشتباكات عنيفة في العاصمة الخرطوم، سرعان ما امتدت إلى مناطق أخرى، خاصة إقليم دارفور وولاية الجزيرة.
البُعد الدولي: ساحة حرب بالوكالة
تكمن خطورة الأزمة السودانية في تحولها السريع إلى حرب بالوكالة، حيث تدعم جهات فاعلة خارجية مختلفة طرفي النزاع لتحقيق مصالحها الجيوسياسية والاقتصادية. هذا التدخل الخارجي هو ما يغذي استمرار الحرب ويُعقّد جهود السلام.
- القوى الإقليمية: تشير تقارير إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة تقدم دعمًا عسكريًا ولوجستيًا كبيرًا لقوات الدعم السريع، بهدف تأمين نفوذ في منطقة البحر الأحمر ومصالح اقتصادية، بما في ذلك السيطرة على مناجم الذهب. في المقابل، يُعتقد أن مصر تدعم الجيش السوداني بقيادة البرهان، نظرًا لعلاقاتها التاريخية بالمؤسسة العسكرية السودانية وحرصها على استقرار جارتها الجنوبية.
- التنافس العالمي: تُبدي روسيا اهتمامًا متزايدًا بالسودان، حيث تسعى لإنشاء قاعدة بحرية في بورتسودان على البحر الأحمر، مما يمنحها موطئ قدم استراتيجيًا. ويرتبط نفوذها أيضًا بأنشطة مجموعة فاغنر (المعروفة الآن باسم "الفيلق الأفريقي")، التي يُقال إنها تتعاون مع قوات الدعم السريع في قطاع تعدين الذهب. أما القوى الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة، فتجد نفسها في موقف صعب، حيث تبدو جهودها الدبلوماسية غير فعالة في ظل تعقيدات المشهد.
تداعيات كارثية تتجاوز الحدود
تسببت الحرب في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم. وفقًا لبيانات الأمم المتحدة الصادرة مؤخرًا، نزح الملايين داخل السودان، بينما فر مئات الآلاف إلى دول الجوار الهشة أساسًا مثل تشاد وجنوب السودان، مما يضغط على مواردها المحدودة ويهدد استقرارها. كما أن استمرار القتال يفتح الباب أمام سيناريوهات خطيرة:
- خطر المجاعة: يواجه ملايين السودانيين خطر المجاعة الحاد مع انهيار القطاع الزراعي وتدمير البنية التحتية وصعوبة وصول المساعدات الإنسانية.
- انهيار الدولة: قد يؤدي استمرار الحرب إلى تفكك الدولة السودانية على أسس عرقية وجهوية، مما يخلق فراغًا أمنيًا يمكن أن تستغله الجماعات المتطرفة، على غرار ما حدث في الصومال وليبيا.
- تهديد أمن البحر الأحمر: يقع السودان على ساحل البحر الأحمر، وهو ممر ملاحي حيوي للتجارة العالمية. أي زعزعة للاستقرار في هذه المنطقة قد يكون لها تأثير مباشر على الأمن البحري وسلاسل الإمداد العالمية.
لماذا يهم هذا الصراع العالم؟
في ظل انشغال العالم بالصراعات في أوكرانيا وغزة، تحولت الأزمة في السودان إلى "حرب منسية"، لكن تجاهلها قد يكون خطأً فادحًا. يمثل الصراع السوداني نموذجًا مصغرًا لنظام عالمي جديد أكثر فوضوية، حيث تتحدى القوى الإقليمية النفوذ التقليدي للقوى العظمى، وتُدار الصراعات عبر وكلاء، وتُستخدم الأزمات الإنسانية والهجرة كأدوات ضغط جيوسياسي. إن فشل المجتمع الدولي في احتواء هذه الأزمة لا يهدد بمحو السودان من الخريطة فحسب، بل يهدد أيضًا بإرساء سابقة خطيرة لانتشار الفوضى في مناطق أخرى من العالم.




