تداعيات هدوء جبهة غزة: الحوثيون يواجهون تحديات متزايدة في الداخل اليمني
مع تزايد الحديث عن احتمالات التوصل إلى وقف لإطلاق النار في قطاع غزة، يجد الحوثيون في اليمن أنفسهم أمام منعطف حاسم قد يعيد تشكيل المشهد السياسي والعسكري. فبعد أشهر من تصدرهم عناوين الأخبار العالمية بهجماتهم في البحر الأحمر، والتي برروها بمساندة الفلسطينيين، فإن أي هدوء في غزة من شأنه أن يسحب منهم ورقة استراتيجية أساسية، ويعيد تركيز الضوء على الأزمات الداخلية العميقة التي تواجه سلطتهم في المناطق الخاضعة لسيطرتهم.

خلفية التصعيد وارتباطه بغزة
منذ نوفمبر 2023، شنّ الحوثيون سلسلة من الهجمات على سفن تجارية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، مؤكدين أن عملياتهم تستهدف السفن المرتبطة بإسرائيل أو المتجهة إليها، وذلك بهدف الضغط لوقف العمليات العسكرية في غزة وإدخال المساعدات الإنسانية. وقد نجحت هذه الاستراتيجية في تحقيق عدة أهداف للجماعة؛ حيث عززت صورتها كقوة إقليمية فاعلة ضمن ما يعرف بـ "محور المقاومة"، وساهمت في حشد الدعم الشعبي محلياً عبر استغلال التعاطف الواسع مع القضية الفلسطينية، كما استخدمت كأداة لصرف انتباه السكان عن تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية.
التحديات الداخلية المتفاقمة
على الرغم من الضجة الإعلامية التي أحدثتها هجمات البحر الأحمر، فإن الواقع الداخلي في مناطق سيطرة الحوثيين يعكس أزمة حادة ومتعددة الأوجه. وقد ظلت هذه التحديات قائمة لسنوات، لكن الحرب في غزة أتاحت فرصة لتأجيل مواجهتها. أبرز هذه التحديات تشمل:
- الأزمة الاقتصادية الخانقة: يعاني الاقتصاد من شبه انهيار، مع انقسام المؤسسات المالية، وتدهور قيمة العملة المحلية، وتوقف شبه كامل للنشاط التجاري، مما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية التي وصفتها الأمم المتحدة بأنها الأسوأ في العالم.
- انقطاع الرواتب: يمثل ملف رواتب موظفي القطاع العام، المتوقفة في معظمها منذ عام 2016، قنبلة موقوتة. وقد أدى هذا الوضع إلى إفقار مئات الآلاف من الأسر ودفعها إلى حافة المجاعة.
- تدهور الخدمات الأساسية: تشهد المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين انهياراً شبه تام في الخدمات العامة مثل الكهرباء والمياه النظيفة والرعاية الصحية، مما يزيد من معاناة المواطنين اليومية.
- تنامي الاستياء الشعبي: على الرغم من القبضة الأمنية المشددة، بدأت تظهر مؤشرات على تزايد السخط الشعبي، والذي يتجلى في احتجاجات متفرقة ومطالبات عبر وسائل التواصل الاجتماعي بصرف الرواتب وتحسين الظروف المعيشية.
تأثير هدوء محتمل في غزة
يشكل أي اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة تهديداً مباشراً للخطاب الذي تبناه الحوثيون. فبمجرد انتفاء المبرر الرئيسي لهجماتهم في البحر الأحمر، ستجد الجماعة نفسها مجبرة على مواجهة أسئلة ملحة من الداخل حول مصير الاقتصاد والخدمات والرواتب. ستفقد الجماعة قدرتها على توجيه الغضب الشعبي نحو عدو خارجي، وسيعود التركيز حتماً إلى أدائها في إدارة شؤون الدولة والمناطق التي تسيطر عليها.
إن ورقة "مساندة غزة" كانت بمثابة غطاء سياسي سمح للحوثيين بتبرير الأوضاع الصعبة على أنها ثمن لا بد منه في معركة أكبر. ومع غياب هذا الغطاء، ستصبح إخفاقاتهم الإدارية والاقتصادية مكشوفة تماماً، مما قد يؤدي إلى تصاعد الضغط الشعبي والمطالب بالحقوق الأساسية التي تم تعليقها طويلاً بذريعة الحرب.
المشهد اليمني الأوسع
على الصعيد الوطني، أدت هجمات الحوثيين إلى تعقيد جهود السلام المتعثرة في اليمن. فالضربات الجوية التي قادتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على الهجمات، أعادت عسكرة المشهد وأضافت طبقة جديدة من التعقيد على الصراع. وفي حال توقف القتال في غزة، سيصبح الحوثيون معزولين في مواجهة المجتمع الدولي، وستفقد هجماتهم أي شرعية شعبية كانوا يسعون لكسبها، مما قد يضعف موقفهم التفاوضي في أي محادثات سلام مستقبلية مع الحكومة اليمنية والأطراف الإقليمية.
باختصار، بينما منح التصعيد في البحر الأحمر الحوثيين زخماً سياسياً وإعلامياً مؤقتاً، فإن نهايته الوشيكة المرتبطة بهدوء جبهة غزة، قد تضعهم في مواجهة مباشرة مع التحدي الأكبر والأكثر استدامة: حكم ملايين اليمنيين وتلبية احتياجاتهم الأساسية في ظل اقتصاد منهار وبنية تحتية مدمرة.





