تراجع متسارع: أسعار الدولار والعملات الأجنبية مقابل الجنيه السوداني في السوق الموازية والبنوك، السبت 11 أكتوبر 2025
يشهد الاقتصاد السوداني، وتحديدًا قطاع العملات الأجنبية، تدهورًا مستمرًا مع تراجع ملحوظ في قيمة الجنيه السوداني مقابل الدولار الأمريكي والعملات الأجنبية الأخرى. بتاريخ السبت 11 أكتوبر 2025، أظهرت التقارير والتحليلات المتداولة في الأوساط الاقتصادية والمصرفية استمرار هذا التراجع، مع فجوة متزايدة بين سعر الصرف الرسمي وسعر السوق الموازية (السوق السوداء)، مما يثير مخاوف واسعة بشأن الاستقرار الاقتصادي والمعيشي في البلاد.
الخلفية الاقتصادية
تعاني السودان منذ سنوات من أزمات اقتصادية متلاحقة، تفاقمت بشكل كبير بعد الانفصال وانخفاض عائدات النفط، وتزايدت حدتها مع النزاعات الداخلية والاضطرابات السياسية. هذه العوامل أدت إلى تآكل الثقة في الاقتصاد الوطني، وتراجع الاستثمارات الأجنبية، وشح كبير في احتياطيات النقد الأجنبي. تاريخياً، واجه الجنيه السوداني تحديات مستمرة تمثلت في تضخم جامح وتقلبات شديدة في أسعار الصرف، مما جعله عرضة للضغوط المستمرة. لم تنجح المحاولات السابقة لضبط سوق الصرف أو توحيد الأسعار في تحقيق استقرار طويل الأمد، مما يعكس عمق التحديات الهيكلية التي تواجه البلاد.
التطورات الأخيرة في سوق الصرف
في الأيام التي سبقت 11 أكتوبر 2025، شهدت أسعار صرف الدولار الأمريكي قفزات متتالية في السوق الموازية، متجاوزة بكثير الأسعار المعلنة في البنوك الرسمية. هذا التباين الكبير يعكس النقص الحاد في المعروض من العملات الأجنبية لدى البنوك التجارية، مما يدفع المتعاملين والتجار إلى اللجوء للسوق غير الرسمية لتلبية احتياجاتهم. يُعزى جزء من هذا التدهور الأخير إلى تزايد الطلب على الدولار لأغراض الاستيراد في ظل ضعف الإنتاج المحلي، بالإضافة إلى سعي الأفراد للحفاظ على مدخراتهم من التضخم المتفشي عبر تحويلها إلى عملات صعبة.
الأسباب الكامنة وراء التدهور
يمكن تلخيص الأسباب الرئيسية وراء التدهور المستمر في قيمة الجنيه السوداني وتزايد الفارق بين سعر الصرف الرسمي والموازي فيما يلي:
- الصراع الدائر وعدم الاستقرار السياسي: أدت الاشتباكات المستمرة في مناطق متفرقة من البلاد إلى شل الحركة الاقتصادية وتعطيل الإنتاج، خاصة في القطاعات الحيوية مثل الزراعة والتعدين، مما قلل من قدرة السودان على توليد العملات الأجنبية. كما أن عدم اليقين السياسي يطرد الاستثمارات ويحد من تدفق المساعدات الخارجية.
- نقص احتياطيات النقد الأجنبي: تعاني البنوك المركزية والتجارية من عجز حاد في احتياطيات الدولار، مما يحد من قدرتها على تلبية الطلب المتزايد في السوق الرسمية ويضطر الأفراد والشركات للبحث عن العملة الصعبة في السوق الموازية.
- السياسات المالية والنقدية: يُنظر إلى بعض السياسات الاقتصادية المتبعة، بما في ذلك طباعة النقود لتمويل عجز الموازنة، كعامل رئيسي في تفاقم التضخم وتآكل قيمة العملة الوطنية.
- زيادة الطلب على الدولار لأغراض الاستيراد والادخار: مع ضعف الإنتاج المحلي وتدهور القوة الشرائية للجنيه، يزداد الاعتماد على السلع المستوردة، مما يزيد الطلب على الدولار لتغطية تكاليف الاستيراد. كما يفضل الأفراد الاحتفاظ بمدخراتهم بالدولار كوسيلة للحماية من التضخم.
- القيود على التحويلات البنكية والعقوبات: لا تزال بعض القيود على التحويلات المصرفية الدولية وصعوبة الوصول إلى الأسواق المالية العالمية تؤثر على تدفق العملات الأجنبية إلى السودان عبر القنوات الرسمية.
الآثار المحتملة على المواطنين والاقتصاد
التدهور المتسارع في قيمة الجنيه السوداني له تداعيات وخيمة على جميع شرائح المجتمع والاقتصاد بشكل عام. أولاً، يؤدي إلى ارتفاع حاد في أسعار السلع والخدمات المستوردة، بما في ذلك الغذاء والدواء والوقود، مما يفاقم من الأعباء المعيشية على المواطنين ويقلل من قوتهم الشرائية. ثانيًا، يتأثر القطاع التجاري والصناعي سلبًا بسبب ارتفاع تكلفة المواد الخام المستوردة وصعوبة الحصول على العملات الأجنبية اللازمة. ثالثًا، يقلل من جاذبية الاستثمار في السودان ويثبط من عودة رؤوس الأموال المهاجرة. كما يؤثر سلبًا على الموازنة العامة للدولة ويزيد من عبء الديون الخارجية.
التوقعات والإجراءات الحكومية
في ظل هذه التحديات، تترقب الأوساط الاقتصادية أي إجراءات حكومية أو سياسات جديدة تهدف إلى استقرار سعر الصرف والحد من التدهور. قد تشمل هذه الإجراءات محاولات لزيادة الصادرات، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وترشيد الإنفاق العام، بالإضافة إلى البحث عن مصادر جديدة للعملات الأجنبية. ومع ذلك، فإن فعالية هذه الإجراءات ستعتمد بشكل كبير على مدى الاستقرار السياسي والأمني وقدرة الحكومة على استعادة الثقة في النظام الاقتصادي. يشير الخبراء إلى أن معالجة الأزمة تتطلب حلولاً شاملة تشمل الإصلاحات الهيكلية والاقتصادية الجذرية إلى جانب جهود بناء السلام.





