ترامب يصف وقف الصين شراء فول الصويا الأمريكي بـ"العدوان الاقتصادي"
صرح الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، خلال فترة توتر العلاقات التجارية بين واشنطن وبكين، بأن قرار الصين وقف شراء فول الصويا من الولايات المتحدة يمثل "عملاً عدائياً اقتصادياً". جاء هذا التصريح في أوج الحرب التجارية التي شهدت فرض تعريفات جمركية متبادلة وإجراءات عقابية هدفت كل قوة اقتصادية من خلالها للضغط على الأخرى لتحقيق تنازلات تجارية. وكانت هذه الخطوة الصينية المحددة رداً مباشراً على رسوم جمركية أمريكية سابقة، واستهدفت قطاعاً حيوياً ومؤثراً سياسياً في الولايات المتحدة.

خلفية الأزمة التجارية
تعود جذور الأزمة التجارية بين الولايات المتحدة والصين إلى أوائل عام 2018، عندما بدأت إدارة ترامب بفرض تعريفات جمركية على واردات صينية محددة، بدءاً بالصلب والألومنيوم، ثم توسعت لتشمل مجموعة واسعة من السلع والمنتجات التكنولوجية. بررت واشنطن هذه الإجراءات بالرد على ما اعتبرته ممارسات تجارية غير عادلة من جانب بكين، مثل سرقة الملكية الفكرية، ونقل التكنولوجيا القسري، والدعم الحكومي للصناعات الصينية، والعجز التجاري الهائل والمستمر لصالح الصين. رأت الإدارة الأمريكية أن هذه الممارسات تشكل تهديداً للمصالح الاقتصادية والأمن القومي للولايات المتحدة.
لم تتأخر الصين في الرد، حيث فرضت بدورها تعريفات جمركية انتقامية على مجموعة من المنتجات الأمريكية. واستهدفت بكين بشكل استراتيجي المنتجات الزراعية الأمريكية، وعلى رأسها فول الصويا، الذي يعد من أهم الصادرات الزراعية الأمريكية ويُنتج بشكل كبير في ولايات رئيسية ذات ثقل انتخابي، مثل أيوا وإلينوي. كان الهدف من هذه الخطوة هو إلحاق أكبر قدر من الضرر الاقتصادي والسياسي بالولايات المتحدة، وخصوصاً بالمزارعين الذين يشكلون قاعدة دعم مهمة لترامب.
قرار الصين و"العدوان الاقتصادي"
في ذروة التوترات، تجاوزت الصين مجرد فرض التعريفات لتقوم، في بعض الفترات، بوقف شبه كامل أو كلي لوارداتها من فول الصويا الأمريكي. وكانت الصين قبل ذلك أكبر مستورد لفول الصويا في العالم، والمشتري الرئيسي للفول الأمريكي. شكل هذا القرار ضربة قاسية للمزارعين الأمريكيين الذين اعتمدوا بشكل كبير على السوق الصيني لسنوات طويلة. وصف ترامب هذا الإجراء بأنه "عمل عدائي اقتصادي"، مما عكس حجم الإحباط والغضب في واشنطن تجاه استخدام الصين لقوتها الشرائية كأداة ضغط سياسي واقتصادي. هذا الوصف القوي أشار إلى أن الولايات المتحدة لم ترَ في الأمر مجرد نزاع تجاري عادي، بل اعتبرته تصعيداً يلامس حدود العدوان الاقتصادي المباشر، مستهدفاً شرياناً حيوياً للاقتصاد الزراعي الأمريكي.
التداعيات والآثار
كان لقرار الصين تداعيات واسعة النطاق على كلا الجانبين وعلى الأسواق العالمية:
- تأثير مباشر على المزارعين الأمريكيين: عانى مزارعو فول الصويا في الولايات المتحدة من انخفاض حاد في الأسعار وتراكم المخزونات. قدرت الخسائر بمليارات الدولارات، مما دفع الإدارة الأمريكية إلى تقديم حزم مساعدات مالية ضخمة (مثل برنامج تسهيل السوق) لدعم المزارعين المتضررين وتعويضهم عن جزء من خسائرهم.
- اضطراب في أسواق السلع العالمية: اضطرت الصين للبحث عن مصادر بديلة لفول الصويا، مما أدى إلى زيادة وارداتها من دول أمريكا الجنوبية مثل البرازيل والأرجنتين. هذا التحول الكبير في سلاسل الإمداد العالمية أثر على الأسعار وأنماط التجارة الدولية، مما تسبب في تقلبات كبيرة في أسواق السلع الزراعية.
- تصاعد حدة التوترات التجارية: عمق هذا الإجراء الشعور بالعداء وعدم الثقة بين أكبر اقتصادين في العالم، مما زاد من صعوبة التوصل إلى حلول تفاوضية شاملة ومستدامة للحرب التجارية.
- تغيير استراتيجيات المزارعين: بدأ بعض المزارعين الأمريكيين في إعادة تقييم محاصيلهم ومحاولة التنويع أو البحث عن أسواق تصدير جديدة، رغم صعوبة إيجاد بديل بنفس حجم السوق الصيني.
التطورات اللاحقة والاتفاقيات
استمرت المفاوضات التجارية الصعبة بين البلدين لشهور طويلة، وتخللتها فترات من التصعيد والتهدئة. وفي يناير 2020، تم توقيع "اتفاق المرحلة الأولى" التجاري بين الولايات المتحدة والصين. تضمن الاتفاق التزاماً من الصين بزيادة كبيرة في مشترياتها من السلع والخدمات الأمريكية، بما في ذلك المنتجات الزراعية مثل فول الصويا، بمقدار 200 مليار دولار على مدى عامين مقارنة بمستويات 2017. وقد شهدت هذه الفترة بالفعل ارتفاعاً في مشتريات الصين من فول الصويا الأمريكي، لكنها في كثير من الأحيان لم تحقق الأهداف الطموحة المحددة في الاتفاق، خاصة في ظل تفشي جائحة كوفيد-19 وتزايد التوترات الجيوسياسية الأخرى.
وبينما شهدت العلاقات التجارية بعض التحسن المؤقت بفضل الاتفاق، إلا أن التوترات الأساسية لم تختفِ بالكامل. أظهرت حادثة وقف الصين لشراء فول الصويا الأمريكي مدى الترابط الاقتصادي العميق بين الدول، وكيف يمكن أن تتحول السلع الأساسية مثل فول الصويا إلى أدوات ضغط قوية في الصراعات الجيوسياسية، مما يترك أثراً عميقاً على الاقتصادات الوطنية وسلاسل الإمداد العالمية.




