ترامب يعلن إلغاء أوامر وقعها بايدن بـ"القلم الآلي": ما القصة وما مدى قانونية القرار؟
أثار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب جدلاً واسعاً يوم الجمعة بإعلانه عبر منصته للتواصل الاجتماعي "تروث سوشال" عن "إلغاء" جميع الوثائق التي وقعها الرئيس الحالي جو بايدن باستخدام جهاز التوقيع الآلي المعروف بـ"القلم الآلي". ويأتي هذا التصريح، الذي يفتقر إلى أي أساس قانوني واضح، في سياق التوترات السياسية المتصاعدة بين الرجلين، ويسلط الضوء على أداة إدارية قديمة في البيت الأبيض أصبحت فجأة في قلب مواجهة سياسية.

ما هو "القلم الآلي" وما تاريخ استخدامه؟
"القلم الآلي" أو "Autopen" ليس مجرد ختم، بل هو جهاز ميكانيكي متطور قادر على محاكاة توقيع شخص ما بدقة متناهية. يستخدم الجهاز ذراعاً آلية تحمل قلماً حقيقياً (حبر أو جاف) لتكرار التوقيع المخزن رقمياً، مما ينتج عنه توقيع شبه مطابق للتوقيع اليدوي الأصلي. يعود تاريخ استخدام هذه التقنية في الرئاسة الأمريكية إلى عقود مضت، حيث يُعتقد أن الرئيس هاري ترومان كان من أوائل من استخدموها في أواخر الأربعينيات من القرن الماضي للتعامل مع الكم الهائل من المراسلات والوثائق الروتينية.
على مر السنين، أصبح استخدام القلم الآلي ممارسة معتادة في البيت الأبيض. يلجأ إليه الرؤساء لتوقيع المستندات غير الحاسمة التي لا تتطلب حضورهم الشخصي، مثل:
- الردود على الرسائل البريدية من المواطنين.
- توقيع الصور التذكارية.
- خطابات التهنئة أو التعزية.
- بعض الوثائق الإدارية الداخلية ذات الطابع الروتينى.
من المهم التمييز بين هذه الاستخدامات وبين توقيع التشريعات الرئيسية أو الأوامر التنفيذية المصيرية، والتي جرت العادة أن يوقعها الرئيس شخصياً وفي مراسم رسمية أحياناً، نظراً لأهميتها القانونية والسياسية.
إعلان ترامب ومدى قانونيته
في منشوره، ادعى ترامب أن أي وثيقة وقعها بايدن باستخدام القلم الآلي "قد أُلغيت". لكن خبراء القانون الدستوري أجمعوا على أن هذا الإعلان لا يحمل أي وزن قانوني. فبموجب الدستور الأمريكي ومبدأ فصل السلطات، لا يملك رئيس سابق أي سلطة لإلغاء أو تعديل قرارات أو توقيعات رئيس حالي في منصبه. إن الأوامر التنفيذية والتشريعات الموقعة تصبح قانوناً سارياً، ولا يمكن إبطالها إلا من خلال ثلاث طرق محددة: تشريع جديد من الكونغرس، أو قرار من المحاكم، أو أمر تنفيذي جديد من الرئيس الحالي أو رئيس لاحق.
لذلك، يُنظر إلى خطوة ترامب على أنها ذات طابع سياسي بحت وليست إجراءً قانونياً. لم يقدم البيت الأبيض أي رد فعل رسمي على هذا الإعلان، وهو ما يُفسر غالباً على أنه محاولة لعدم إعطاء مصداقية لادعاء لا يستند إلى أساس قانوني.
السياق السياسي والأهداف المحتملة
يأتي هذا الإعلان في خضم مناخ سياسي مشحون، حيث يواصل ترامب انتقاداته لإدارة بايدن ويشكك في شرعيتها بشكل مستمر. يرى المحللون أن الهدف من وراء إثارة قضية "القلم الآلي" هو خلق انطباع لدى قاعدته الانتخابية بأن إدارة بايدن تتسم بالإهمال أو أنها تفتقر إلى الأصالة. من خلال التركيز على أداة ميكانيكية للتوقيع، يسعى ترامب إلى تصوير خصمه على أنه غير منخرط بشكل مباشر في إدارة شؤون البلاد.
تعتبر هذه الاستراتيجية جزءاً من تكتيك أوسع لتقويض الثقة في المؤسسات الحكومية والعمليات الإدارية، وهو نهج اتبعه ترامب خلال فترة رئاسته وما بعدها. إن تحويل أداة إدارية بسيطة إلى قضية سياسية يخدم هدفه في إبقاء أنصاره في حالة تعبئة دائمة وتوجيه رسالة مفادها أنه الوحيد القادر على تصحيح مسار الدولة.
الأهمية والتداعيات
على الرغم من أن إعلان ترامب ليس له أي تأثير قانوني فوري، إلا أنه يمثل تطوراً لافتاً في الخطاب السياسي الأمريكي. فهو يكشف عن مدى استعداد الشخصيات السياسية لاستخدام أي وسيلة، حتى لو كانت رمزية، لمهاجمة الخصوم. كما أنه يسلط الضوء على الفجوة العميقة في الثقة بين الأطراف السياسية المختلفة في الولايات المتحدة.
في المحصلة، يبقى الجدل حول "القلم الآلي" عاصفة في فنجان من الناحية القانونية، لكنه يعكس حقيقة أعمق حول حالة الاستقطاب السياسي، حيث يمكن لأي تفصيل إداري أن يتحول إلى سلاح في المعركة السياسية المستمرة على الساحة الأمريكية.




