ترامب يعلن مقاطعة الولايات المتحدة لقمة العشرين في جنوب أفريقيا بسبب قضية المزارعين
في خطوة دبلوماسية مفاجئة، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في وقت سابق اليوم أن الولايات المتحدة لن تشارك في قمة مجموعة العشرين (G20) المقبلة، المقرر عقدها في جنوب أفريقيا. وأرجع ترامب هذا القرار إلى ما وصفه بـ "المعاملة غير العادلة" و "مصادرة الأراضي" التي يتعرض لها المزارعون البيض في البلاد، مكرراً بذلك مواقف سابقة أثارت جدلاً واسعاً على الساحة الدولية.

تفاصيل الإعلان وأسبابه
جاء الإعلان خلال مؤتمر صحفي في البيت الأبيض، حيث أكد الرئيس الأمريكي أن إدارته لا يمكن أن تدعم حدثاً دولياً تستضيفه دولة "تنتهك حقوق الملكية لمواطنيها بشكل منهجي". وأشار ترامب إلى أن قراره جاء بعد مراجعة تقارير متعددة حول خطط حكومة جنوب أفريقيا لتعديل دستورها للسماح بمصادرة الأراضي دون تعويض، وهو إجراء يهدف إلى معالجة التفاوتات التاريخية الموروثة من حقبة الفصل العنصري.
وأضاف ترامب: "لقد وجهت وزير خارجيتنا لدراسة هذا الأمر عن كثب، والنتائج مقلقة. لن نقف مكتوفي الأيدي بينما تُنتزع الأراضي من المزارعين الذين يعملون بجد". ويأتي هذا التصريح استمراراً لتغريدة شهيرة له في عام 2018، طلب فيها من وزير الخارجية آنذاك، مايك بومبيو، التحقيق في القضية، مما أثار في حينه استنكاراً من حكومة جنوب أفريقيا التي اعتبرته تدخلاً في شؤونها الداخلية.
خلفية قضية الأراضي في جنوب أفريقيا
تعتبر قضية إصلاح الأراضي من أكثر القضايا حساسية وتعقيداً في جنوب أفريقيا منذ نهاية نظام الفصل العنصري في عام 1994. وتهدف سياسات الحكومة، التي يقودها حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، إلى تصحيح الاختلالات العميقة حيث لا تزال غالبية الأراضي الزراعية مملوكة للأقلية البيضاء.
تتمحور النقاشات الحالية حول تعديل المادة 25 من الدستور، والتي تتعلق بحقوق الملكية. ويرى المؤيدون للتعديل أنه ضروري لتسريع عملية إعادة توزيع الأراضي وتحقيق العدالة الاقتصادية، بينما يحذر المعارضون، بمن فيهم جماعات المزارعين وبعض الأحزاب السياسية، من أن هذه الخطوة قد تعرض الأمن الغذائي للخطر وتثبط الاستثمار الأجنبي. وتؤكد حكومة جنوب أفريقيا باستمرار أن أي إصلاحات ستتم بطريقة منظمة وقانونية ولن تؤدي إلى الاستيلاء العشوائي على الأراضي.
ردود الفعل الدولية والمحلية
قوبل قرار المقاطعة الأمريكي بردود فعل متباينة على الصعيدين المحلي والدولي. وفيما يلي أبرزها:
- حكومة جنوب أفريقيا: أصدرت وزارة العلاقات الدولية والتعاون بياناً أعربت فيه عن "خيبة أملها العميقة" من القرار الأمريكي، واصفةً الادعاءات التي استند إليها بأنها "مضللة ولا أساس لها من الصحة". وأكد البيان أن جنوب أفريقيا دولة ديمقراطية تلتزم بسيادة القانون، وأن عملية إصلاح الأراضي تتم بشفافية ووفقاً للإجراءات الدستورية.
- قادة مجموعة العشرين: أعرب عدد من زعماء الدول الأعضاء في المجموعة عن قلقهم من أن غياب الولايات المتحدة، أكبر اقتصاد في العالم، سيقوض من فعالية القمة وجهودها لمعالجة التحديات العالمية الملحة مثل تغير المناخ والتعافي الاقتصادي. ودعا البعض إلى الحوار لحل الخلافات.
- الساحة الأمريكية الداخلية: انقسمت الآراء في واشنطن، حيث انتقد سياسيون ديمقراطيون القرار واعتبروه خطوة أخرى تعزل الولايات المتحدة عن حلفائها وتضر بمصالحها الدبلوماسية طويلة الأمد. في المقابل، أيد بعض المحافظين والجمهوريين موقف ترامب، معتبرين أنه يدافع عن حقوق الملكية ويقف ضد سياسات يرونها راديكالية.
التأثيرات المحتملة للقرار
يُتوقع أن يكون لقرار المقاطعة تداعيات كبيرة تتجاوز العلاقات الثنائية بين واشنطن وبريتوريا. فمن الناحية الدبلوماسية، يمثل القرار ضربة لمنتدى مجموعة العشرين الذي يُعد المنصة الرئيسية للتعاون الاقتصادي العالمي. وقد يُنظر إليه على أنه تراجع آخر للولايات المتحدة عن دورها القيادي في المنظمات متعددة الأطراف.
اقتصادياً، قد يؤدي هذا التوتر إلى إعادة تقييم العلاقات التجارية بين البلدين. الولايات المتحدة هي شريك تجاري مهم لجنوب أفريقيا، وأي تدهور في العلاقات قد يؤثر سلباً على الاتفاقيات التجارية القائمة، مثل قانون النمو والفرص في أفريقيا (أغوا). كما أن غياب الرئيس الأمريكي عن قمة اقتصادية بهذا الحجم يرسل إشارة سلبية للمستثمرين ويخلق حالة من عدم اليقين في الأسواق العالمية.
في الختام، فإن قرار الإدارة الأمريكية بمقاطعة قمة العشرين يضع قضية محلية حساسة في جنوب أفريقيا في قلب مواجهة دبلوماسية دولية، مما يثير تساؤلات حول مستقبل التعاون العالمي ودور الولايات المتحدة فيه.





